لا يختلف إثنان في كون أغلب دول العالم تعرف نظام المحاكم العسكرية في وقت السلم ووقت الحرب، هذا بالرغم من وجود عدد قليل من الدول التي لا تعرف هذا النوع من المحاكم كالقانون الألماني و القانون الياباني. المغرب و كمعظم دول العالم يعرف هذا النوع من المحاكم منذ سنوات، وقد تمت محاكمة مجموعة من المواطنين أمام القضاء العسكري ولم تكن تلك المحاكمات تثير مثل هذه الضجة المثارة اليوم وكأن من يتابع اليوم هم مواطنون من الدرجة الممتازة، ومن كان يتابع أمامها من قبل هم مواطنون من الدرجة الثانية، مع أن المواطنة في المغرب واحدة، مع العلم أن التهم الموجهة لأعضاء هذه المجموعة ثقيلة جدا، تتعلق بتهم تكوين عصابة إجرامية والعنف في حق أفراد من القوات العمومية الذي نتج عنه الموت مع نية إحداثه والمشاركة في ذلك والتمثيل بجثة، وكل ذلك أثناء تفكيك مخيم اكديم إيزيك∗ في الثامن من نونبر لسنة 2010. إن القول بعدم اختصاص المحكمة العسكرية في متابعة متهمي أحداث أكديم إيزيك وبعدم تطابق هذه المحكمة مع المعايير الدولية هو قول لا يستند على أي أساس قانوني، وذلك لمجموعة من الاعتبارات أهمها كون هذه المحكمة منظمة ومشكلة وفقا للقانون رقم 1.56.270 معتبر بمثابة قانون القضاء العسكري، والرجوع لهذا القانون هو وحده الكفيل لمعرفة مدى أحقيتها في هذا النوع من المتابعة أم لا. وبإلقاء نظرة سريعة على نص هذا القانون يتضح أن مثل هذه الأفعال الجنائية التي حدثت أثناء تفكيك المخيم تدخل في صميم اختصاصاتها. فقانون القضاء العسكري قد ميز بين الجرائم التي تقع في وقت السلم وخصص لها الفصول من 3 إلى 131، والجرائم التي تقع وقت الحرب و خصص لها الفصول من 132 إلى137. وإذا كان اختصاص المحاكم العسكرية فيما يخص الجرائم التي يرتكبها الجنود لا تثير في الغالب أي إشكال على الصعيد الدولي، فإن الإشكالية المطروحة إن على المستوى الوطني أو الدولي تتعلق بأحقية هذه المحاكم في متابعة المدنيين. إن أول ما تجدر إليه الإشارة بالمغرب هو أن ملاحقة المدنيين يتم في معظم الحالات أمام المحاكم المدنية، فأحداث اكديم إيزيك شهدت اعتقال حوالي 200 شخص أغلبهم توبع أمام القضاء المدني لكون الأعمال الإجرامية التي ارتكبوها لا تدخل ضمن اختصاص القضاء العسكري، فهذا الأخير لم يقدم أمامه سوى 24 متهم. من هنا يتضح بأن ملاحقة المدنيين أمام القضاء العسكري هو مجرد استثناء لا يقاس عليه. و هذا الاستثناء أورده المشرع في حالتين فقط منصوص عليهما في الفصلين 3 و4 من قانون القضاء العسكري؛ تتعلق الأولى بالحالة التي يتم فيها ارتكاب جناية ضد أفراد القوات المسلحة الملكية أو أشباههم. من خلال هذا التنصيص يتضح بأن القانون قد قيد هذا النوع من المتابعة بضرورة كون الجريمة المرتكبة جناية مما يعني أنه في حالة ارتكاب مخالفة أو جنحة فإن القضاء المدني هو المختص. أما الحالة الثانية فتتعلق بكون الجريمة المرتكبة تمس الأمن الخارجي للدولة. إن اعتماد البعض على ما جاء في الدستور من التزام المغرب باحترام حقوق الإنسان، للقول بعدم اختصاص المحكمة العسكرية في هذا النوع من المتابعات هو رأي يحتاج إلى المراجعة. فالمعايير الدولية لا تحظر صراحة محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، و لهذا السبب نجد بعض الدول الأوروبية تحتفظ وتسمح بهذا النوع من المحاكمات في حالات محصورة (القانون الجنائي السويسري نموذجا). إن المعايير الدولية تنص على الحق في المحاكمة أمام محكمة مختصة، مستقلة، نزيهة ومشكلة وفقا للقانون. إن كل هذه الصفات تتوفر في المحكمة العسكرية بالرباط، فمن حيث صفة الاختصاص فإن هذا يتجلى في نوعية الجرائم التي تختص في النظر فيها (والتي سبقت الإشارة إليها). و من حيث الشكل فإن القانون المشار إليه قد حدد شكلها وتركيبة أعضائها. و من حيث صفة النزاهة فإنها تتمظهر بشكل جلي في الحضور المكثف لمجموعة من المراقبين الدوليين الممثلين لمختلف المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان وكذا لوسائل الإعلام الأجنبية زيادة على توفير الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الفرنسية والانجليزية والاسبانية. أما استقلالية المحكمة عن السلطة التنفيذية فإنها أضحت واضحة لمعظم المراقبين الدوليين المتتبعين لجلسات المحكمة، وخير مثال لهذه الصفة هو استماع المحكمة لشاهد واحد من الشهود التسعة التي تقدمت بها النيابة العامة واستبعاد الآخرين. إن الهدف من إنشاء هذا النوع من المحاكم ليس هو فتح الباب لتطبيق إجراءات استثنائية منافية لما هو متعارف عليه دوليا، بل فقط لمواجهة جرائم معينة ومحددة مثلها مثل المحاكم الإدارية والتجارية. و المتتبع لأطوار المحاكمة منذ بدايتها إلى اليوم سيدرك لا محالة بأن جميع ضمانات وشروط المحاكمة العادلة متوفرة في هذه القضية. محمد الأمين أستاذ القانون بالكلية المتعددة الاختصاصات –- تازة تحت اشراف مركز الدراسات الدولية