استؤنفت، يوم السبت 9 فبراير 2013، محاكمة المتهمين المتابعين في أحداث اكديم إيزيك، والتي انتهت في وقت متأخر من مساء يوم الجمعة 8 فبراير 2013 . 24 متهما تتم متابعتهم في هذه القضية وذلك بموجب أحكام القانون الجنائي المغربي ذات الصلة ، بتهم متعلقة بممارسة العنف ضد عناصر القوات العمومية أثناء ممارستهم لمهامهم بما في ذلك القتل العمد و التمثيل بالجثث. هذه الأفعال، باعتبارها جرائم بموجب القوانين المعمول بها في المملكة المغربية والمرتكبة ضد أفراد القوات العمومية، تدخل في اختصاص المحكمة العسكرية. في حرص منها على وضع هذه المحاكمة في سياق التحول الديمقراطي، وتعزيز سيادة القانون وتأكيد استقلال ونزاهة القضاء في المغرب، سعت السلطات العمومية المغربية إلى وضع كافة الضمانات اللازمة لضمان نزاهة هاته المحاكمة. وبذلك يكون قد تم الالتزام بالمبادئ التوجيهية لحسن سير العدالة الجنائية، سواء كانت متعلقة بمبدأ احترام حقوق الدفاع، أو الفصل بين الوظائف، أو فيما يخص القواعد المتعلقة بالتحقيق. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه المحاكمة علنية ومفتوحة حيث حضرها ثلاثون مراقبا دوليا. إن مجرد حضور هؤلاء المراقبين يعبر عن مناخ الانفتاح وحسن النية من جانب السلطات القضائية المغربية. فهؤلاء المراقبون لديهم المسؤولية عن تقييم مدى استجابة المحكمة لمتطلبات المحاكمة العادلة كما هو متعارف عليها دوليا. كما أن بإمكانهم تقييم مدى نزاهة القضاة واستقلاليتهم، وكذلك مدى احترام حقوق الدفاع. وكبادرة تكشف على مدى حسن النية السلطات القضائية المغربية، فقد أخذت هذه الأخيرة على عاتقها إجراء عملية ترجمة مختلف وثائق المحاكمة لفائدة المراقبين الأجانب.حيث كان من المقرر في البدء إجراء ترجمة إلى اللغات الفرنسية والإنجليزية والإسبانية فقط، لتصبح بعد ذلك إلى 5 لغات ، بما في ذلك الأمازيغية والحسانية، وذلك وفقا لدستور 2011، وبناء على طلب من محاميي الدفاع. عند قراءتنا ل" تقرير بعثة المراقبة القضائية في محاكمة المتابعين 24 "، والذي يغطي الفترة مابين 30 يناير و2 فبراير 2013، لا يمكننا إلا أن نلاحظ انحيازه حتى من قبل بدئ المحاكمة، كما أنه يتبنى توجها أيديولوجيا و يعبر عن مواقف سياسية. في الواقع، نص هذا التقرير غير متوازن كما يبدو ذلك بوضوح من خلال اختيار كلماته والتي في الحقيقة تمثل مصالح جبهة البوليساريو. أكثر من ذلك، فإن واضعي التقرير يتبنون طرح جبهة البوليساريو الانفصالية، متحدثين باسم هذه الأخيرة بل وحتى مقتبسين بشكل واضح من وسائل إعلامها. كما يتخلل هذا التقرير أحكام تقييمية، تم إدراجها بسوء نية وهو أمر غير معتاد بالنسبة لعمل بعثات المراقبة الدولية. كل هذا يهدف بشكل واضح إلى إحراج المؤسسات المغربية. كحق في الرد على ما تم تداوله في هذا التقرير ومن أجل إبراز إستراتيجية واضعيه التي تهدف إلى تشويه الطريقة التي تتعامل بها السلطات المغربية مع هذه القضية، سنقوم بتسليط الضوء على تركيبة هذه البعثة، كما سنقوم وفق منهج واضح بدراسة مختلف زوايا نظر هذا التقرير لكشف الدوافع الحقيقية التي تحرك واضعيه. مكونات ودور بعثة "المراقبين الدوليين" في محاكمة اكديم ايزيك النقطة الأولى التي تجدر الإشارة إليها تتعلق بتشكيل البعثة وهوية "المراقبين الدوليين"، وطبيعة انتسابهم السياسي والإيديولوجي. فالسيدة فرانشيسكا دوريا تشارك بانتظام في أشغال الجمعية الوطنية الإيطالية للتضامن مع "شعب" الصحراء الغربية، والسيدة ميشيل دوكستر هي الأمينة العامة للجمعية الفرنسية للصداقة والتضامن مع شعوب أفريقيا، أما السيدة فرانس فايل فهي عضوة في جمعية التضامن والقانون؛ في حين تمثل جاكلين فونتين جمعية التضامن مع "الشعب الصحراوي" بلورين وروويس موريس هو عضو رابطة أصدقاء "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" ووفقا للتقرير نفسه، راعيي أحد المعتقلين. كل هؤلاء الأشخاص ينشطون في المنظمات التي ترتبط ارتباطا وثيقا بجبهة البوليساريو وتقوم بالدفاع، منذ مدة طويلة، عن الأطروحة الانفصالية. ومع ذلك، فوفقا لتوصيات المنظمة الدولية لحرية التعبير (IFEX)، وهي شبكة عالمية تضم أكثر من 70 منظمة غير حكومية، والتي تهدف أساسا إلى تعزيز الدفاع عن حرية التعبير وغيرها من الحقوق الأساسية، "(...) ينبغي (...) أن تتجنب المنظمات التعبير عن وجهات نظرها بشأن موضوع النزاع". دائما في سياق التوصيات، أكدت الهيئة أنه ينبغي على المراقبين الدوليين ألا يربطوا "(...) أية علاقة من شأنها أن تفسر على أن هنالك تضارب في المصالح". بالإضافة إلى ذلك، فإن تقرير المراقبين الدوليين حول محاكمة اكديم إيزيك يصف بدقة الدور المنوط بعدد من الجهات داخل المغرب، المحسوبة على جبهة البوليساريو المروجة للأطروحات الانفصالية، كإبراهيم دحان و علي سالم التامك. موقف منظمة IFEX كان واضحا عندما أوصت ب "(...) عدم استخدام خدمات المراقبين المحليين و[أكدت] على التعامل فقط مع الخبراء الدوليين، وذلك بسبب إمكانية وجود حيف (…) "في الواقع، تبعا لنفس التقرير فإن جل (...) » المنظمات، حريصة على الاستعانة (...) بالخبرة القانونية الدولية الكفيلة بضمان الحيادية و ذلك بالاستعانة بخدمات المراقبين الدوليين عوض المراقبين المحليين". تجدر الإشارة أن المنظمة السالفة الذكر تعد مصدرا هاما للمعلومات الكفيلة بضمان وحماية الحريات في الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة الدول الأمريكية. نلاحظ أيضا أن "(...) منظمة الأمن والتعاون في أوروبا توصي المنظمات (...) بأن يكون للمراقبين دراية بالقانون، على أن تؤخذ ملاحظاتهم و خبراتهم محمل الجد". وهكذا عندما قاموا بزيارة المستشار الثاني في سفارة فرنسا في الرباط استشعروا عدم رغبة هذا المسؤول في استقبالهم لافتقارهم لأدنى شروط المصداقية. بالإضافة إلى ذلك، في إطار سعيهم المضني لتلطيخ صورة المغرب و بهدف إرباك القارئ، ذكر التقرير أسماء مراقبين آخرين لم يوقعوا عليه. من جهة، كان الأثر المطلوب من هذه الوثيقة تضليل الرأي العام في مسألة توقيعها من طرف 7 مراقبين عوض حوالي ثلاثين مراقب. من ناحية أخرى فإن ذكر أسماء كثيرة عوض 7 أسماء فقط يضفي طابعا عالميا على مكوناته . حاول معدو التقرير إعطاء بعد دولي لنصوصه، وذلك للضغط على المغرب من أجل الإفراج الفوري عن المتهمين في أحداث اكديم إيزيك. لكن دسترة مبدأ قرينة البراءة سنة 2011 حالت دون ذلك. السيناريو الثاني يقودنا إلى الاعتقاد بأن هذا التقرير ما هو إلا تعبير عن إرادة رسمية لممثلي جبهة البوليساريو لإقناع الرأي العام الدولي بكون المحاكمة مدبرة من قبل السلطات المغربية، في حين أن المسطرة القضائية تأخذ مجراها الطبيعي. في هذه الحالة، وجود هؤلاء المراقبين هو أيضا بلا جدوى، بغض النظر عن الاتجاه الذي تسير فيه المحاكمة، التي يسعون إلى جعلها منتدى للترويج لأطروحاتهم الانفصالية. الوسائل المستخدمة لجعل المحاكمة تخدم الأجندة السياسية للبوليساريو يسعى تقرير "المراقبين الدوليين" إلى التشكيك في شرعية المحاكمة بدعوى وجود أعداد كبيرة من العناصر الاستخباراتية. في ما يتعلق بمشروعية مثول الأضناء أمام المحكمة العسكرية، لم يذكر التقرير الفصل 3 من قانون القضاء العسكري. بموجبه يمتد اختصاص المحكمة العسكرية ليشمل المدنيين الذين ارتكبوا جريمة حيال فرد من أفراد الأمن العمومي. وهو الأمر الذي يشير إليه الظهير الشريف رقم 1.56.270 معتبر بمثابة قانون القضاء العسكري، حيث تشير الفقرة الثانية من الفصل الثالث من هذا الظهير على أنه " (...) تجري أحكام المحكمة العسكرية على (...) جميع الأشخاص أية كانت صفاتهم المرتكبين جريمة تعتبر بمثابة جناية مقترفة ضد أعضاء القوات المسلحة الملكية وأشباههم". وهي التهم التي على ضوئها يتم متابعة متهمي أحداث اكديم إيزيك. فيما يخص ادعاءاتهم بخصوص عدم مطابقة هذه التشريعات مع المعايير الدولية، تجدر الإشارة إلى أن القضاء العسكري في المغرب يتماشى تماما مع مقتضيات قرار لجنة حقوق الإنسان التابعة لمفوضية الأممالمتحدة لحقوق الإنسان، رقم 2005/30، الذي يطلب من الدول التي لديها محاكم عسكرية أن تكون هذه المحاكم جزءا لا يتجزأ من الجهاز القضائي العادي كما يجب على المسطرة المتبعة أن تكون عادية كما هو متعارف عليه دوليا يكفل ضمان محاكمة عادلة . في الواقع، فإن القضاء العسكري في المغرب هو جزء لا يتجزأ من النظام القضائي الوطني، كما يتضح من مضمون المادة 2 من قانون القضاء العسكري، في إشارة واضحة إلى " (...) القانون الجنائي المشار إليها في مواد (…) الظهير الشريف 1-56-270] المؤرخ في10 نوفمبر 1956 المؤسس لقانون القضاء العسكري] (...) ". تجدر الإشارة مرة أخرى أنه في إطار محاكمة المتابعين في أحداث اكديم إيزيك ، يمثل المتهمون أمام القاضي للرد على جرائم عادية تقع كلها تحت طائلة القانون الجنائي للمملكة. بخصوص الانتقادات الموجهة لقوات الأمن المغربية وتواجدها أمام المحكمة, فهي لا أساس لها من الصحة حيث أن مدوني التقرير أنفسهم أشاروا لحساسية القضية. وإذا كانوا قد أقروا أنه '' لا يوجد أي حادث يؤسف عليه '' فذلك راجع لكون عناصر الشرطة قاموا بواجبهم على أكمل وجه. بالإضافة لذلك فإنه يبدو من خلال قراءة التقرير أن مدونيه تجاوزوا إلى حد بعيد دورهم كمراقبين دوليين. يتجلى ذلك من خلال زيارتهم لبعثة الإتحاد الأوروبي بالمغرب حيث أنهم قاموا بزعم أن هذا الأخير متورط في ملف المتهمين في قضية اكديم إيزيك من خلال إرسال مراقبين وكذا تدخله في قضية الصحراء بشكل عام. يمكن اعتبار هذا الفعل إصرارا على خدمة مصالح انفصاليي البوليساريو أكثر من كونه مراقبة دولية. ردة فعل بعثة الإتحاد الأوروبي كانت واضحة كما جاء في ذات التقرير. فردا على مطالب البوليساريو رفضت البعثة إرسال ممثلين عنها لحضور المحاكمة. فهي تعتبر أنه من غير الممكن أن يتفق مجموعة 27 على موقف واحد. كما أنها تشجع أعضاء الإتحاد على اتخاذ مواقف فردية و كذا مساندة مبادرات المنظمات غير الحكومية بغرض الدفاع عن حقوق الإنسان وفقا لمقتضيات الميثاق العالمي. كما أنها، وعلى الرغم من غياب علاقة مباشرة قد تربطها بالمنظمات غير الحكومية الصحراوية، تبقى مستعدة لاستقبالهم و للإضطلاع على الوثائق التي قد يتوصلون بها. كما أنها تقر بعدم الصلاحية للتدخل في قضية الصحراء. فالإتحاد الأوربي ليس في استطاعته التواجد في أماكن متعددة في الآن ذاته. إلا أنه يكون حاضرا في المناطق التي تعيش حالات من التوتر، الشيء الذي لا يبدو أنه يميز حالة الصحراء الغربية. وعلى الرغم من هذه الإجابة الواضحة، أصر الانفصاليون على طرح مسألة الثروات الطبيعية للصحراء مطالبين الإتحاد أن يشترط في اتفاقيات الصيد البحري مع المغرب ضرورة تحقيق تطور ملموس في مجال حقوق الإنسان. غير أنه، بحسب البعثة، لا تدعو الأوضاع في المغرب لمثل هذا الطرح. فالحقوق الأساسية حققت تقدما كبيرا وخاصة مع إنشاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي أصبح يتوفر على فروع في جهات الجنوب. بالإضافة إلى كل هذا، يعتبر النقاش حول استغلال المغرب للثروات الطبيعية لجهة الصحراء عديم الجدوى إذا ما نظرنا إلى الوضع القانوني للصحراء باعتبارها إقليما غير متمتع بالحكم الذاتي. فالسيادة المغربية على الصحراء قد تم الاعتراف بها من خلال اتفاقيات الصيد البحري التي أكدت ما هو متعاهد عليه بين المغرب و الإتحاد الأوروبي. إلا أن الضغط الذي مارسه المراقبون يظل، و بدون شك، محاولة للتأثير على الدبلوماسية الفرنسية وجعلها تنحو منحى جبهة البوليساريو. فخلال اللقاء الذي جمع بين أصحاب التقرير و المستشار الثاني لسفارة فرنسا بالمغرب، تم طرح مسألة الصحراء بشكل عام و قضية اكديم إيزيك بشكل خاص. في رده، أكد المستشار على موقفه المنسجم تماما مع موقف بلاده المساند للمشروع المغربي للحكم الذاتي، و الذي لم يتغير مع الأغلبية الجديدة و رغم عملها الدبلوماسي المتحفظ. وقد أسف ''المراقبون" على موقف السفير إزاء رفضه إرسال أي ملاحظ لمتابعة المحاكمة التي ستستمر يومه التاسع من فبراير، رغم إصرارهم و الحجج التي أدلوا بها. و قد قامت مجموعة من الناشطين الانفصاليين بإعطاء صورة سلبية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، في محاولة أخرى لتشويه صورة المغرب على الصعيد العالمي، حيث ربطت بين هذا المجلس و بين السلطة. هذه الوسائل تتنافى و الصورة الإيجابية التي يتصف بها هذا الجهاز و الذي تعتبره البعثة الأوروبية ضمانا كافيا لاحترام حقوق الإنسان. كما أن مجلس الأمن نوه في قراره 2012/2044 ب " (…) عمل لجنتي المجلس الوطني لحقوق الإنسان في الداخلة والعيون وبالخطوات التي اتخذها المغرب من أجل الوفاء بالتزامه بأن يكفل انفتاح سبل الوصول غير المشروط أو المقيد لجميع الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة". من خلال ما سلف ذكره يتبين أن مجموعة ما يسمى بالمراقبين الدوليين تحاول اغتنام الفرصة التي تقدمها محاكمة اكديم إيزيك لتفعيل الأطروحات الانفصالية. و بالتالي فهي تعمل على إعطاء هاته الأحداث بعدا سياسيا. كما نلاحظ أن الوسائل المتبعة والعبارات المستعملة تحمل شيئا من الفظاظة. و هكذا فقد عمدت مجموعة من اللوبيات التي تعمل لصالح البوليساريو إلى التموضع فوق دولة هي من أكبر الدول في مجال حقوق الإنسان, وفوق منظمة تعتبر من أهم المنظمات الجهوية بل و أيضا حاولوا الاستعلاء على المنظومة الدولية برمتها. *باحثة في مركز الدراسات الدولية