العام الذي انتهى كان بامتياز عام "داعش"، الحركة الإرهابية التي جرت العالم إلى حرب عالمية جديدة بالكاد بدأت، ولا أحد يعرف متى وأين ستنتهي. وكل المؤشرات الموجودة اليوم تقول بأن العام الجديد سيكون هو الآخر مطبوعا بعنف هذه الحركة التي تتنامى قوتها العسكرية في ميدان المعارك، ويتزايد مؤيدوها في أكثر من منطقة من العالم. لقد نجحت الظاهرة في استقطاب مقاتليها من جميع دول العالم، في المنطقة العربية وفي الدول الإسلامية البعيدة من أندونيسيا إلى الشيشان، وحتى من الدول الغربية التي تحاربها، في الولاياتالمتحدةالأمريكية واستراليا وبريطانيا وفرنسا، مما اضطر دول العالم، في سابقة هي الأولى من نوعها، إلى استصدار قانون ملزم من مجلس الأمن الدولي، يمنع الحركة من تجنيد شبابها. وبالرغم من الحملة العسكرية الدولية ضدها، إلا أنها لم تحد من توسعها واستمرار سيطرتها على مناطق شاسعة في العراق وسوريا. ومثل السرطان الذي قد يَضمٌر ليظهر فجأة في أماكن أخرى من الجسد، ظهر امتداد هذه الحركة في مناطق أخرى، في الجزائر التي أعلن فيها تنظيم "جند الخلافة" ولاءه للحركة. وفي ليبيا ونيجيريا والصومال، تنشط عدة تنظيمات إرهابية تشارك حركة "داعش" أفكارها وعنفها، مستعدة أن تنظم لها ومناصرتها لخلق بؤر توتر تزيد من مخاطر العالم من الحركات الإرهابية. وفي أسيا ظهرت عدة تنظيمات في الهند وأفغانستان ومنطقة القبائل الباكستانية، لا تخفي ولائها للحركة المتطرفة. ولا شيء يٌعلن اليوم أن هذه الحركة آخذة في التراجع، بل العكس هو الصحيح، فهي مرشحة لمزيد من التمدد والانتشار خاصة إذا ما فشلت الحملة العسكرية بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية في كسر شوكتها، وحتى في هذه الحالة فإن فكر الحركة سيبقى يغذي، عبر العالم، آلاف الشباب المحبط والباحث عن هوية مفقودة. خطورة هذه الحركة لا تتمثل في سرعة تمدد ولاءات أنصارها، وإنما في فكرها المتطرف الذي يقوم على نفي الآخر. وهذا الفكر ليس وليد اليوم وإنما هو نتاج من التراكم التاريخي لفكر التعصب الديني، والجهل الفكري، والتأويل الخاطئ للنصوص الدينية، والانغلاق على الذات والتقوقع داخلها، والغياب الكلي للفكر والممارسة الديمقراطية القائمة على ثقافة التعدد والتنوع الحوار والاختلاف. ظاهرة "داعش" ستبقى ما بقي فكرها، وهي لا تختلف في عنفها وبشاعة جرائمها وعنصرية فكرها وتعصب أنصارها عن ظاهرة النازية في عهد مؤسسها أدولف هتلر. والقضاء على النازية لم يفلح إلا بالقوة العسكرية من خلال تضافر الجهود الحربية لأغلب دول العالم، ولكن أيضا بفضل الدعم المادي السخي الذي قدمته الولاياتالمتحدةالأمريكية لأوروبا متمثلا في "مشروع مارشال" الذي أخرج أوروبا من براثين الحروب وأنقدها من تعصب وعنف حركاتها العنصرية المدمرة، وساهم في بناء مجتمعاتها الديمقراطية الحديثة.