انضمت جماعات إرهابية جديدة لتنظيم "داعش" في أفريقيا وآسيا وأعلنت ولاءها له. ويتسم نشاط "داعش" براديكالية أكثر من "القاعدة" وأصبح يجتذب إليه عددا أكبر من الجهاديين. لكن نتائج تمدد "داعش" على حساب القاعدة لا تُعرف عواقبها. وصارت أعلام تنظيم "الدولة الإسلامية" ترفرف بعيدا عن العراقوسوريا، حيث أعلنت جماعات إرهابية في عدة بلدان ولاءها لتنظيم "داعش" وبيعتها لخليفته أبو بكر البغدادي. وفي شرق ليبيا قرر "تنظيم أنصار الشريعة" المنضوي في مجلس شورى شباب درنة إعلان منطقة درنة الساحلية إقليما تابعا ل"الدولة الإسلامية".
وبايع جهاديون في مصر واليمن والسعودية والجزائر أيضا "داعش"، كما أعلن خليفة "داعش" البغدادي ذلك في خطاب مسجل. وبذلك بدأ تنظيم القاعدة الإرهابي يفقد تدريجيا الهيمنة والقيادة الأيديولوجية بين المتطرفين الإسلاميين.
بدايات تنظيم "داعش" كانت ضمن تنظيم القاعدة الأم، وكان قد ورث مقاتلي تنظيم "التوحيد والجهاد" الذي كان يرتبط بتنظيم القاعدة. وتنظيم "التوحيد والجهاد" كان يقوده الأردني أبو مصعب الزرقاوي في العراق، ولكن الزرقاوي تمرد لاحقا عن تنظيم القاعدة ولم يتبع أوامرها وتحذيراتها. وابتعد الزرقاوي كثيرا عن خط القاعدة الأصلي، خاصة بعد قراره القيام بعمليات قتل بشعة ضد الشيعة في العراق.
ورغم أن أغلب مقاتلي تنظيم القاعدة الإرهابي هم سنة متشددون، إلا أن اختلافات التنظيم الطائفية مع الشيعة لم تتطور إلا نادرا إلى صراع دموي مع الشيعة. الزرقاوي قتل في سنة 2006 ، وفي سنة 2007 تسلم أبو بكر البغدادي قيادة التنظيم وقرر تغيير اسم التنظيم إلى "الدولة الإسلامية في العراق والشام" وسمح لمقاتلي التنظيم بالقتال في سوريا. وبعد ذلك أصبح الخلاف بين تنظيم القاعدة وتنظيم البغدادي أكثر وضوحا، ونشبت في سوريا معارك بين مقاتلي التنظيمين.
خلافات إستراتيجية بين القاعدة و"داعش"
يدور محور خلاف أعضاء التنظيمين الإرهابيين على مدى التأثير والهيمنة على الحركات الجهادية العالمية، وعلى التمويل وعلى إمكانية كسب مقاتلين جدد، وأيضا المكانة والهيبة بين صفوف المليشيات الإسلامية. البروفيسورة كاثرين براون خبيرة شؤون الإرهاب في كلية "كنغ" في لندن تشبه تنظيمي القاعدة و"داعش" بشركات عالمية تحاول أن تكسب المجموعات المحلية لأجندتها الأيديولوجية وإلى الجهاد العالمي. تنظيم القاعدة مثلا ينضم إليه عدة مجموعات، كتنظيم "القاعدة في شمال المغرب" وتنظيم " القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، وكذلك حركة الشباب الصومالية التي أعلنت ولاءها لقائد تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.
أما "داعش" فيضم مجموعة "أنصار بيت المقدس" في شبه جزيرة سيناء ومجموعة "جند الخليفة" في الجزائر، والتي قتلت أحد الرهائن الفرنسيين في سبتمبر الماضي. والفرق بين التنظيمين يكمن في طموحاتهم. تنظيم القاعدة مثلا لم يذكر إطلاقا أنه يريد الحكم والسلطة، كما توضح البروفيسورة كاثرين براون، أما "داعش" فيطالب علنا بالحكم ويطلب من المجموعات الأخرى بأن يكونوا جزءا من نظامه الجديد.
وفي شمال سوريا وفي غرب العراق استطاع تنظيم "داعش" أن يحتل منطقة جغرافية وأن يؤسس فيها نظام حكم شبيه بالدولة. وطالب أبو بكر البغدادي بزعامة العالم الإسلامي بإعلانه الخلافة. وهذا لم يصله أو يطلبه تنظيم القاعدة الأم إطلاقا.
الفرق الثاني بين التنظيمين يكمن في الإستراتيجية، حسب الخبيرة براون. قيادة تنظيم القاعدة المركزي قررت عدم الخوض في نزاعات دولية مع الدول وحكامها في شمال أفريقيا وفي الشرق الأوسط. وتركزت حرب تنظيم القاعدة ضد "العدو البعيد" الولاياتالمتحدة وحلفائها. أما تنظيم "داعش" فيهاجم مباشرة جميع الدول في محيطه، ولا يقوم بأية هجمات في أوروبا وفي والولاياتالمتحدة.
القاعدة يفقد بريقه
العمليات التي نفذها تنظيم القاعدة عالميا، كهجمات 11 سبتمبر الإرهابية في الولاياتالمتحدة وهجمات لندن عام 2005، لم يستطع تنظيم القاعدة تكرارها ومنذ أمد بعيد. ولذلك لا يمكن للقاعدة "كسب مقاتلين وأموال جديدة للتنظيم، ما لم يحقق مكاسب ضد أعدائه"، كما توضح الخبيرة براون. ولذلك تراجع تمويل التنظيم وقَلَ عدد مقاتليه بعد أن توقفت عملياته ضد الغرب.
وفي المقابل طور "داعش" وسائل جذب قوية للفصائل الصغيرة، التي انشقت عن تنظيم القاعدة الأم وكانت تقوم بعملياتها بعيدا عنها. وتوجد عدة أسباب لانضمام الجهادين ل"داعش"، كما يوضح أيمن جواد التميمي، الزميل في منتدى الشرق الأوسط في الولاياتالمتحدة والباحث في مركز "هيرتزيليا" الإسرائيلي، الذي يضيف قائلا: ينجذب الجهاديون أكثر إلى تنظيم "داعش"، كونهم يعتبرون أن "داعش" وصفة رابحة في عالم الجهاد مقارنة بتنظيم القاعدة. بالإضافة إلى ذلك لم يدل زعيم تنظيم القاعدة الظواهري بأية تصريحات حول موضوع إعلان البغدادي توليه "الخلافة". والظواهري اثبت عدم كفاءته كزعيم لتنظيم القاعدة، عندما حاول مجابهة تمدد "داعش"، كما يقول الخبير التميمي. يضاف إلى ذلك أن أيمن الظواهري يحاول قيادة التنظيم من خلف الكواليس، وتحدثت شائعات عن أن الظواهري أفشل محاولات انضمام "حركة الشباب" الصومالية إلى تنظيم "داعش".
لكن الصراعات المباشرة بين التنظيمين لم تحدث إلا في سوريا. واليمن مرشحة لتكون ساحة الصراع الثانية بين الطرفين، كما يوضح أيمن جواد التميمي. وليس من الواضح من سيهيمن على الساحة الجهادية في المستقبل، تقول الخبيرة براون والتي أضافت قائلة: ذلك يعتمد على تطوع المقاتلين وعلى التمويل، بالاضافة إلى ذلك فان الحرب التي تشنها الولاياتالمتحدة ضد تنظيم "داعش" قد تغير المعادلة.
ولكن هل يمكن لتصاعد الصراع بين القاعدة و"داعش" أن يؤثر ويساعد في مسار الحرب ضد الإرهاب، أي عندما يتقاتل الطرفان، الباحث أيمن التميمي يجيب عن ذلك بالنفي ويشير على أن التنظيمين ورغم عداواتهما اتفقا على إتخاذ مواقف موحدة في سوريا.