في الوقت الذي كان فيه المغاربة منشغلين بالتهام اللحم والشحم، قام وفد يمثل اتحاد كتاب الصين بزيارة لنظيره اتحاد كتاب المغرب، وذلك بغرض "توقيع مذكرة تفاهم وتعاون"بين الطرفين.
هذا الخبر خطير ومهم، ورغم ذلك لم تهتم به أي جريدة ولا موقع، ولم يحضره الكتاب المغاربة، الذين لم يلبوا النداء، وفضلوا الجلوس قرب جثة الكبش وتقطيعها على أي تفاهم وتعاون يمكن أن يقع بينهم وبين مبدعين قادمين من الصين.
تكمن خطورة هذه الزيارة في كون اتحاد كتاب المغرب وصديقه الصيني هما من الكائنات الآيلة للانقراص، والتي كان من اللازم استغلال فرصة لقائها بالمكتبة الوطنية، للقبض عليها ووضعها في متحف، ففرصة مثل هذه لا تتحقق دائما، ويصعب أن تتكرر في مكان آخر، كما أن الناس لم يسمعوا عن خبر مثل هذا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي واختفاء علي عقلة عرسان، الذي كان يمتلك قدرات خارقة في التواصل مع الكتاب في الصين وكوريا الشمالية، وفي تعذيب زملائه في سوريا وإرسال التقارير عنهم إلى أجهزة الأمن.
إنه أول إنجاز كبير يقوم به عبد الرحيم العلام رئيس اتحاد كتاب المغرب الجديد، ليرد به على كل المشككين وعلى الذين لا يرون جدوى في وجود مثل هذه المؤسسة، فليس بالأمر الهين أن يزورنا الصينيون ويهتمون بنا، ولولاه لما حصل هذا، ولما تحملوا عناء السفر ليردوا لنا جميل زيارتنا لهم في مدينة طانغ شان سنة 2010، كما جاء في البلاغ الذي عممه المكتب التنفيذي على الصحافة، الذي ينفذ قرارات من يكتب فينا ومن لا يكتب، ومن عليه أن يؤلف رواية ومن عليه أن يقرض الشعر، ومن لم يفعل، ينفذ فيه المكتب التنفيذي أحكاما قاسية، لأنه تهاون في أداء الدور المنوط به وفي خدمة الشعب والأمة والحداثة، أسوة بالرفاق الكتاب في الصين.
الذين يضحكون الآن في عبهم ويسخرون من هذا اللقاء بين الكتاب المغاربة والصينيين، ليسوا إلا جهلة ولا يقدرون ما يمكن أن نربحه من هؤلاء القادمين من مكان بعيد، إنهم سيعلموننا كيف نكتب قصائد مزورة من صنع صيني، وكيف نكتب رواية تفسد قبل أن نقرأ صفحتها الثانية، وكيف نقلد أعمالا ناجحة ونبيعها بثمن بخس لقراء فقراء، وكيف يمكن أن يصبح الأدب تجارة تباع في بنجدية ودرب عمر بجودة مشكوك فيها، وكيف نكتب قصصا للأطفال تعرض حياتهم للخطر بمجرد فتح صفاحتها، وكيف نصنع تولستوي ودوستويفسكي وفليب روث ودون ديليلو بتشغيل الأطفال واستغلالهم في أوراش كتابة تابعة للدولة، ثم نبيع ما أنتجوه في الأسواق العالمية لتقرأ كل الشعوب أدبا رخيصا ويشبه ما ينتجه الغرب الاستغلالي بل يتفوق عليه، وكيف نكون في المغرب تابعين للسلطة، وكيف يجمع الكتاب بين صفة مخبر ومبدع، وكيف يعاقب اتحاد كتاب المغرب العاقين والمنفلتين الذين يحاربون الأدب الملتزم والكتابة الموجهة للجماهير والتي تخدم قضية الوطن ولا تتعامل ولا تتأثر بالنزعات الفردية والأنانية التي تطبع الكتاب الرأسماليين والبورجوازيين.
شكرا، إذا، لاتحاد كتاب المغرب، وشكرا لمكتبه التنفيذي، وشكرا للرئيس عبد الرحيم العلام، لأنهم أحضروا لنا وفدا لاتحاد كتاب الصين، كي نتعلم كيف نقمع الكتابة وكيف نمارس الرقابة وكيف نحاكم الأقلام الحرة، وكيف لا نعترف إلا بأدب المؤسسة، وكي نستفيد من أبشع ما يمكن أن يوجد في العالم، اتحاد لا يعترف بالصينيين الذين فازوا بجائزة نوبل لأنهم يعيشون في الخارج ويعارضون النظام، اتحاد يسجن الشعراء إذا كتبوا قصائد مفرطة في الذاتية ولم يمدحوا الحزب الشيوعي وإنجازاته في خدمة الثقافة والحرية المسؤولة والأدب الملتزم والواقعي الذي لا يشط به الخيال بعيدا.