شاءت الصدف أن تنشر جريدة "المساء" في عددها ليوم الثلاثاء الموافق لفاجعة تيشكا، تحقيقا حمل عنوان "نفق تيديلي حلم الربط بين مراكش ووارزازات المؤجل". يروي الزميل محمد الرسمي في هذا المقال كيف أن الفرنسيين أيام الحماية شرعوا في بناء نفق للسكة الحديدية يربط مراكش بوارززات ويختصر المسافة (والأرواح) بين المدينتين. بطبيعة الحال كانت أهداف الفرنسيين امبريالية تروم أساسا تسهيل نقل المعادن المستخرجة من المنطقة، دون أدنى اعتبار لمصلحة "الأهالي". بعد ذلك، كما يحكي مقال "المساء"، توقف المشروع تزامنا مع عودة محمد الخامس من المنفى وبداية الاستقلال. لم يبق من مشروع "نفق تيديلي" سوى "الأشباح" و"كميات كبيرة من القضبان". يوضح كاتب المقال "عندما غادر الفرنسيون المنطقة، كان النفق مملوء بكميات كبيرة من القضبان المخصصة للسكة الحديدية، لكن هذه القضبان اختفى جزء كبير منها". ثم يضيف "كانت المنطقة المحيطة بنفق "تيديلي" خالية من المنازل، بسبب الأساطير التي نسجها السكان المحليون عن النفق (...) وهي الأساطير الممتدة في الثقافة الشعبية المحلية، والتي تشير إلى وجود أشباح تسكن النفق، بسبب طول المدة التي تعرض فيها للهجر من السكان والمسؤولين على حد سواء". يواصل مقال الزميل الرسمي، بكل سذاجة الصحافي مذكرا بالبديهيات، "بعد مرور سنوات على حصول المغرب على استقلاله، عاد موضوع نفق تيديلي إلى واجهة الأحداث، كخيار إلى جانب خيار توسيع الطريق الرابطة بين مراكش ووارززات عبر منطقة "تيشكا"، وإن كان الخيار الأخير أكثر تكلفة وأقل نفعا على المنطقة، (...) على عكس المشروع الأول الذي سيساعد على اختصار المسافة بين المدينتين مع توفير 40 دقيقة مدة السفر بالنسبة للسيارات الخفيفة، وساعة كاملة بالنسبة للعربات ذات الوزن الثقيل، مع تجنبها خطر التعرض لحوادث السير التي تقع بالعشرات في طريق "تيشكا" سنويا". يا لها من صدفةḷ ساعات قليلة بعد طبع العدد الذي تضمن هذا المقال وقعت واحدة من "عشرات" حوادث السير التي تحدث عنها، وكانت الفاجعة. أكثر من 40 قتيلا وعشرات الجرحى. رحل الفرنسيون، ورحل معهم الباشا الكلاوي ومشروع نفق "تيديلي"، وبقيت الأشباح والقتلى. سكان الصحاري الممتدة شرق جبال الأطلس مواطنون من الدرجة الثانية، مجرد "كومبارس" في استوديوهات وارزازات، تماما كما هم "كومبارس" في مسرح وطن سالت دماؤهم لتحريره. ليسوا أكثر من بطاقات انتخابية، قتلى حوادث سير غاشمة، سبب رزق مصاصي الدماء من أرباب "رخص القتل الطرقي"، وجيران "الأشباح" التي خلفها الاستعمار في نفق الحياة/ الموت. في نفس العدد من جريدة "المساء" الذي تضمن هذا التحقيق، يخبرنا مقال آخر على الصفحة الأولى للجريدة، أن ملايين الدولارات التي منحتها إيانا المملكة العربية السعودية لبناء قطار"التي جي في"، هي قرض وليست هبة. قرض سيشارك، طبعا، أبناء وذوو ضحايا الفاجعة في أدائهḷ هكذا هي السياسات العمومية في بلادنا. حكرة. بكل ما في الكلمة من بساطة ومرارة. جيران "الأشباح" التي خلفها الاستعمار قبل 50 سنة، سيدفعون ثمن القطار فائق السرعة الذي سيبينه مستعمر الأمس، لحفنة من محظوظي المغرب النافع، على حساب أرواحهم. أما الوجه الآخر لهذه الحكرة، فليس سوى جشع مصاصي الدماء من أصحاب "رخص القتل الطرقي". هؤلاء الذين استطاعوا، باسم "النضال النقابي"، تعبئة ما لا يتصور لشل حركة البلاد ورهنها بين أيديهم بالأمس القريب، في ابتزاز جماعي ضد مشروع قانون مدونة السير. قانون كان يفترض أن يحول سائقي حافلات النقل الطرقي من عبيد إلى مأجورين معترف بهم ببطاقة مهنية وحقوق اجتماعية وتغطية صحية وحد أدنى للأجر، لولا جشع أرباب "رخص القتل الطرقي"، والمقاومة التلقائية في مجتمع متأخر كمجتمعنا لكل ما من شأنه المساهمة في الضبط والتأطير، مجتمع يتواطؤ بكل وقاحة على خرق أكثر القوانين حماية للأرواح بدراهم معدودات.