قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، أنه "يحرص على إعطاء الشواذ جنسيًّا والمثليين حقوقهم كاملة في الحياة كيفما يختارون".هذا الكلام جاء أيام قليلة بعد إنتخابه رئيسا للبلاد. وأضاف في نفس التسجيل : "نعم. اعترف بحقوق المثليين، وينبغي حمايتها، من قِبل القانون التركي، وأرى أن الصورة التي يظهر بها المثليون عبر مشاهد التلفاز غير آدمية".
هذا التصريح ، قابله العديد من المنتمين إلى التيار العلماني والجمعيات الحقوقية والمدافعين عن الحريات الفردية ،بفرح طفولي ساذج ، وكأنهم لايعرفون الرجل وتاريخه والإنتماء الأيديولوجي الذي ينهل منه.
كلام أردوغان ينبغي وضعه في سياقه ، فالرجل لم يمر على إنتخابه إلا أسبوع واحد ،في منصب رمزي , رئاسة الدولة، ومن الطبيعي أن "يتبنى" مواقف ليِّنة ،من أجل تطمين المعارضة العلمانية والإتحاد الأوروبي ،الذي لاتزال تركيا تحلم بالإنضمام إليه.
تاريخ أردوغان وإنتمائه الفكري ،يبينان بالملموس أن أخر مايمكن أن ينادي به هذا الرجل ،هو الحريات والدفاع عنه . أولا رجب طيب لم يصل بطريقة نزيهة إلى قيادة أقوى حزب إسلامي في تركيا . لقد قام بإنقلاب أبيض على نجم الدين أربكان رئيس حزب الفضيلة ورئيس الوزراء الذي كان يمثل الاسلام المحافظ، والمزعج للمؤسسة العسكرية . استغل أردوغان هذا الموقف بعد انشقاق حزب الفضيلة على نفسه وزيادة التوتر داخله، وتمكن من تأسيس حزب العدالة والتنمية بتبنيه العلمانية والاسلام الليبرالي المعتدل إرضاءا للمؤسسة العسكرية من خلال إبعاده للجناح الاسلامي المحافظ، وهكذا تمكن حزب العدالة والتنمية من الوصول الى السلطة.
خلال الولايتين التي قضاهما في الحكم ، عرفت الحريات الفردية ،تضييقا غير مسبوق، أردوغان وحزبه ،شنو هجوما عنيفا على الحانات والملاهي الليلية وقاموا بمتابعة عازف بيانو بتهمة سب الذات الإلهية ،بالإضافة لتجريم إستقبال الطلبة الذكور لزميلاتهم داخل محل سكانهم ،ودعوة النساء لعدم الضحك بصوت مرتفع في الأماكن العامة ،والدعوة إلى الإنجاب المبالغ فيه ، ناهيك عن تضيق حكومته الخناق على الحريات الإعلامية،حيث تعرض عدد كبير من الصحافيين للمحاكمة ، وتم إغلاق عدد من الجرائر والمجلات والقنواة التلفزية المعارضة. نفس التضييق والمتابعات تعرضت لها شخصيات سياسية وأكاديميين و باحثين و صحفيين وناشرين وطلاب وفنانين.
وفي مجال البحث، تمارَس تهديدات منهجية ضد حرية الأكاديميين والباحثين. وفي هذا الشأن، استعرض تقرير صادر عن مجموعة العمل الدولية حول حرية البحث والتعليم (فرع تركيا) حالات عديدة حديثة العهد عن تكبيل هذه الحريات. ووفقا لهذا التقرير، فإن الباحثين الذين يعملون على مواضيع وأرضيات حساسة يتعرضون للترهيب، وقد تقع أنشطتهم تحت طائلة قانون مكافحة الإرهاب. ويؤكد هيمنة الحكومة على البحث قانون "توبيتاك"، وهو مركز يشبه "المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي"، والذي فقد استقلاله الذاتي، حيث احتجب العدد الخاص من مجلة هذه المؤسسة المكرس للعالم داروين ونظرية التطور عن الصدور بعد أن منعته الرقابة في العام 2009.
نفس السياسة القمعية ،نهجها نظام أردوغان تجاه الأقلية الكوردية ، حيث أصبحت تهمة الإرهاب توجه لكل صوت كوردي ينادي بضمان الحقوق السياسية والثقافية للمنتمين إلى هذا المكون التركي ، حسب وكالة "الأسوشييتدبرس" فإن ثلث السجناء المتهمين بالإرهاب في العالم أجمع يقبعون في السجون التركية.
الدفاع عن الحريات ليس إلا تكتيك يسعى من خلاله أردوغان تطمين النفوس ، فإنتمائه وتشبعه بمبادئ الطائفة النقشبندية المتطرفة وإيمانه الأعمى بمبادئ زعيمها وأبيه الروحي "عزت زاهد كوكتو" الذي كان يعتقد ان التنمية الاخلاقية شرط مسبق للتنمية المادية والاستقرار السياسي ، وكدا ولائه للمبادئ العامة لتنظيم الإخوان المسلمين الدولي ، يجعل حديث الرئيس التركي عن الحريات ، كتلك العاهرة التي تحاضر عن الشرف.