فجأة، وعلي حين غرة، تحول الموضوع إلى قصة أخرى جديدة. لم يعد عزمي بشارة ولا وائل قنديل ولا الذين التحقوا بهم في الجزيرة وموقع العربي الجديد يتحدثون عن انتصار حماس والصواريخ التي تمطر تل إبيب، بل صار الموضوع هو المبادرة المصرية التي ترفضها حماس. انتهت حكاية النصر تلك وصار صحفيو قطر العرب يجمعون على الهجوم على مصر ومبادرتها، ويقصفون القاهرة، ودون أن يطلعوا عليها يعتبرونها مبادرة خنوع واستسلام للعدو. والجميل والحلو هو المبادرة القطرية ويبكون في مقالاتهم من أجل المبادرة القطرية نسوا ضحايا غزة ونسوا القصف الإسرائيلي ونسوا انتصاراتهم الخارقة والطائرة بدون طيار التي اخترعتها حماس والموضوع الأثير أمس واليوم هو المبادرة القطرية التركية. لم يطلع أحد على هذه المبادرة، لكنها جميلة ورائعة وستنقذ أهل غرة. إنها مبادرة غير موجودة، لكنها أفضل من كل المبادرات وقطر هي التي ستحرر فلسطين كاملة وما عجز عنه الجميع ستحققه الإمارة بقيادة الجنرال القرضاوي والقائد الميداني عزمي بشارة والجندي الشجاع وائل قنديل وكتيبة المشاة المغربية واللبنانية والسورية والتونسية وليمت أهل غزة، وليستمر قصف إسرائيل، فالمبادرة القطرية هي الأنسب، وهي المنصفة لحماس. ولن نوقف قتل إسرائيل لأهل غزة إلا إذا نحيتم جانبا المبادرة المصرية. فما قيمة مصر وما حجمها مقارنة بقطر إنها لا شيء مصر دولة صغيرة مقارنة بقطر والقاهرة صغيرة إذاما قورنت بالدوحة وقطر دولة عظيمة تملك مئات الصحفيين يمدحونها دون أن تطلب منهم ذلك ومن تلقاء أنفسهم يتحدثون عن مبادرتها ويكتبون ويكتبون كي لا تبقى مصر دولة عربية كبرى، وكي يعود محمد مرسي، الذي كان هو أيضا، قاب قوسين من تحرير فلسطين، لولا الانقلاب على الشرعية، وقد موه العالم برسالة يمدح فيها دولة إسرائيل ويتغزل في رئيسها. تتضمن المبادرة القطرية التي تدافع عنها حماس وتتشبث بها استمرارا للقصف الإسرائيلي، كي تنقل الجزيرة على مدار الساعة ومباشرة ومن قلب الحدث الدم الفلسطيني وهو ينزف، وكي تنقل جثث الأطفال والنساء ينتحبن ويولولن بتقنية الأش دي، فلا معنى لمنطقة الشرق الأوسط دون دم ودون حزن وقتلى وضحايا بالجملة. وحماس تقاتل من أجل هذا الهدف والصحفيون يشتغلون خداما لقطر من أجل هذا الهدف النبيل تقاتل المقاومة ولا تستسلم من أجل قطر وقناة الجزيرة كي يتفرج العالم أجمع على قتلى فلسطين ونكاية في مصر وفي الرئيس السيسي وفي رفضهم الرضوخ للإخوان المسلمين والمخطط الأمريكي القطري لقد اكتشف موقع العربي الجديد القطري سما قاتلا في المبادرة المصرية كما كتب الجندي الشجاع وائل قنديل. وفي الجزيرة تحريض يومي على مصر بينما المبادرة القطرية ليس فيها إلا دم الفلسطينيين الذين تبيعه حماس لقطر بتنفيذ وتصفية من الجيش الإسرائيلي وعليه أن يراق ويراق ضدا على مصر وضدا في السيسي إلى أن يضمحل دور مصر. لقد دمرت قطرسوريا وكذبت الجزيرة وزورت واختلقت الأحداث والصور وساهمت في ولادة وحش اسمه داعش وجبهة النصرة، حتى تحولت تلك الدولة إلى جحيم، و صار بشار الأسد بالمقارنة مع وحوش قطر والخليج يبدو ملاكا وحملا وديعا. وبفضل قطر والجزيرة لم تسمع الأجيال الجديدة باسم بفلسطين علمتهم الجزيرة أن غزة وحدها موجودة، وحاربت مع حماس السلطة الفلسطينية، حتى لم يعد أحد يعرف شيئا اسمه فلسطين والمدن الفلسطينية الأخرى، والفصائل الأخرى، والشهداء الآخرين. وعاشت قطر عاشت ناصرة المظلومين وعاشقة الجثث والصواريخ منقولة نقلا حيا كل هذه الحرب إذن من أجل عيونها ومن أجل مبادرتها فلا تحرير لفلسطين دون المبادرة القطرية ودون عودة مرسي والخزي لمصر والخزي لمبادرتها ومزيدا من القتلى في غزة مزيدا من الموت حتى يقتنع العالم بإن قطر أهم من مصر وأن مبادرتها هي التي ستمنحنا الدولة الفلسطينية وكان الله في عون الفلسطينيين فبعد أن تاجروا في تلك الإمارة بالكرة وبالدول واستقرارها وبفرجة الثورات والربيع العربي هاهم اليوم يتاجرون بقضية العرب، التي كان أحد أكبر رموزها وهو الرئيس الراحل ياسر عرفات يرفض رفضا مطلقا المس باستقلالية القرار الفلسطيني، ولا يقبل تبعيته لأي دولة عربية، وليس غريبا حملة الجزيرة وحماس في الماضي على صورته والتشكيك فيها، كما يفعلون اليوم مع أبي مازن ، وها هي حركة المقاومة الإسلامية ترفض اليوم كل ما يأتي من مصر الدولة، إرضاء للراعي الرسمي لفرجة القتل والدم وتعداد الضحايا وتصوير الأشلاء. لقد أصبحت القضية الفلسطينية خاضعة للمال الخليجي، وحتى لو كان لمصر موقف مساند لإطلاق الصواريخ من غزة ولحماس، فلن يشكر أحد مصر لأنها لا تملك مالا تقدمه للصحفيين، والصحفيون العرب هذه الأيام يحبون قطر أكثر من أي دولة أخرى في العالم إنها مركز الكون وصاحبة المبادرة المكتملة وصاحبة المال الوفير طوال أعوام، كان الصحفيون والكتاب العرب يكتبون في جريدة القدس العربي اللندنية بالمجان ظنا منهم أنهم يناضلون، ويخدمون القدس والقضية الفلسطينية، ولم يكن أي واحد منهم يحصل على تعويض أو يطالب به صحيفة عبد الباري عطوان، باعتبارها المنبر الوحيد المستقل وسط الصحف الخليجية، قبل أن نكتشف أن جريدة القدس العربي خدعت الصحفيين والكتاب العرب وأكلت حقوقهم، وأنها كانت قطرية هي الأخرى، ومهمتها شتم السعودية، مستغلة اسم القدس ورمزيته، ومستغلة القضية الفلسطينية لخدمة أهدافها الخاصة. الآن قطر صارت تحرر فلسطين بوجه مكشوف، وتدفع مقابل ذلك، ودور الصحفيين هذه المرة أن يشتموا مصر والدولة المصرية، إرضاء لإمارة بحجم عقلة أصبع. فلا تحرير لفلسطين حسب قطر، إلا بتحييد مصر، وتهميشها وتهميش دورها، رغم أنها أكبر دولة عربية، وكانت موجودة بحضارتها وثقافتها وشعبها وستبقى موجودة ومؤثرة، رغم المال الكثير ورغم هؤلاء الصحفيين الذين صاروا يحبون فلسطين والإخوان المسلمين مقابل الدولار وفرص العمل في المنابر والمواقع والفضائيات القطرية.