نعم، ظلمنا الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة. هاجمناه وبحثنا في سيرته، ونشرنا صوره وهو يتشمس وانتقدنا بطنه المتكرش وسخرنا منه وشككنا فيه وفي شهاداته وبعضنا قال إنه لم يحصل حتى على البكالوريا ما أقسانا نحكم على الأشخاص والوزراء دون أن نعرفهم حق المعرفة نحكم عليهم دون أن نلتقيهم لنكتشف بعد ذلك أننا كنا على خطأ وأن أحكامنا ليست صحيحة بالمرة فيوم أمس وأنا أتجول في مدينة فاس، مررت صدفة أمام مجمع الصناعة التقليدية، ورأيت زملاء صحفيين وعشرات الأشخاص يتحلقون حول محمد مبديع، الذي حضر لقاء نظمته وزارته حول موضوع تحديث الإدارة.
كنت جائعا، وكانت بطني فارغة وتصدر قرقرة، فدخلت بصفتي المهنية إلى التجمع، واستمعت إلى الوزير، وماهي إلا دقائق معدودة، حتى وجدت نفسي في وليمة، أجلس إلى مائدة، بين الحاضرين، وألتهم ما لذ وطاب.
في البداية قدم لنا محمد مبديع أطباق فراخ صغيرة محمرة، فأخذت فرخي الصغير ووضعته في صحن صغير، وشكرت الله على فضله ونعمه وكرم وزير الوظيفة العمومية. وقبل أن أنتهي، رأيت الندل يحملون أطباقا كبيرة، مغطاة، ويا للمفاجأة، فقد كانت بها خرفان مشوية، وكل يا حميد واشبع ومتع نفسك.
وبعد ذلك جاؤونا بأطباق فاكهة، مشكلة من موز وإجاص وتفاح وأناناس وبرتقال وخوخ وعنب وكرز وما لا يخطر على بال من الفواكه اللذيذة. وفي لحظة من اللحظات نسيت أني ضيف وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، منتظرا ظهور العريس والعروس، فكل ما كان يحدث حولي، يدل على أننا كنا في حفل زفاف، وليس في ملتقى وطني حول تحديث الإدارة، خاصة أن معظم الحاضرين كانوا يرتدون بذلا رسمية ويضعون ربطات عنق.
مددت عنقي واشرأبيت لأرى العروس وهي تبرز، لكن لا شيء. لا عمارية، ولا جوق، ولا نكافات. إنه فعلا لقاء حول تحديث الإدارة في جهة فاس بولمان. فغيرت نظرتي إلى الوزير محمد مبديع وقلت مع نفسي إنه نعم الوزير وإنه الرجل المناسب في المنصب المناسب وإنه وزير شهم وكريم ولو تركناه يعمل ويشتغل فإنه سيقوم بتحديث الوظيفة العمومية
وسيصلح أنظمة التقاعد فكم من وزير حائز على شهادة الدكتوراه وقبلها الباكالوريا، لكنه بخيل ولا يقدم لضيوفه خرفانا مشوية واقتنعت أن الكفاءة والكرم لا علاقة لهما بالشهادات المحصل عليها وشكل البطن والحال أننا نحن المغاربة نهتم بالمظاهر ونهمل العمق فغيرت في التو والحين نظرتي إلى الوزير محمد مبديع وصرت متضامنا معه وأقدر ما يقوم به والجهد الكبير الذي يبذله وقد بلغني أن ملتقى فاس لتحديث الإدارة سيعمم على كل جهات المملكة وأن هذا العرس سينظم في ست عشرة جهة سأغطيها بالكامل وسأكون متواجدا في أي مكان وأي مدينة أو مدشر يحل به وزير الوظيفة العمومية فعادة لا يقدم لنا الوزراء الآخرون إلا العصير والحلوى والمياه المعدنية أما محمد مبديع فمختلف وكرمه غير مسبوق وسبحان الله
فقد كنت في مدينة فاس بغرض تغطية مهرجان فاس للموسيقى العريقة وصدعونا بغذاء الروح بينما الحياة تحتاج إلى توازن ويجب أن نغذي الروح والجسد وألا نعتني بأحدهما على حساب الآخر وهذا ما حققه لي أفضل وزير في نظري في الوقت الحالي في حكومة بنكيران فخطة إصلاح أنظمة التقاعد يمكنها أن تنتظر وتحديث الإدارة كذلك أما الخرفان المشوية فشهيتها لا تقاوم ولا أحد بين المشاركين قاوم الانتطار
والتهمناها بسرعة ولم نصبر وأجدد من هذا المنبر اعتذاري للوزير مبدع عن كل ما صدر مني قبل اليوم باسمي وباسم زملائي الذين حضروا معي الوليمة رغم أني في الحقيقة لم أكن مدعوا وتسللت خفية إلى الملتقى وأقول:
هكذا يكون الوزير الجيد في حكومة بنكيران فنحن في بلد الخير والكرم ولم نتعود على رئيس الحكومة الذي يجأر دائما بالشكوى حتى كدنا نفقد شهية الأكل والفرح وآداب الولائم وبفضل محمد مبديع عادت إلي الروح من جديد في ملتقى الملتقيات وعرس الأعراس
لأنه من المستحيل أن نناقش تحديث الإدارة ببطون فارغة وغير شبعانة شكرا مرة أخرى معالي الوزير محمد مبديع كم ظلمناك حقا كم ظلمناك ولم نقدرك حق قدرك.