سكان العاصمة الأوكرانية كييف مسالمون، طيلة ثلاثة أيام لم يحدث أن تعارك شخصان في الشارع العام أو حدث شنئان بسيط في الشارع العام. رجالهم ونساؤهم الجميلات غاية في اللطف والأدب. ما يثير الزائر لأول مرة إلى هذه المدينة هو احترام سكانها للقانون. التربية السوفياتية خلقت منهم مواطنون منضبطون، يظهر ذلك في طريقة قطع الشارع وفي اصطفافهم على اقتناء ولو سندويتشا على الساعة الثانية صباحا.
في كييف هناك مظاهر فقر لا توجد حتى في المغرب، كهول وشيوخ يعرضون أربع أو خمس حبات البطاطس أو أنواع قليلة من الفواكه في الشارع العام للبيع، حتى في طريقة العرض هناك احترام للمارة واحترام لجمالية الشارع، إذ يختار هؤلاء أركانا لعرض تلك البضاعة البسيطة، لا يصيحون ولا يستولون على الشارع العام كما هو الحال عندنا.
كييف التي يبلغ عدد سكانها حوالي 3 ملايين نسمة (حوالي 40 مليون اوكراني) تحتفظ بخليط من الفن المعماري. تحتفظ بتلك العمارات المصممة أيام الاتحاد السوفياتي لحراسة تحركات السكان أكثر من الإقامة، لكن تلك العمارات بدأت تتلاشى وعمارات أكثر منها بدأت تتساقط وتنبت مكانها عمارات زجاجية تشوه التناسق الذي عرفت به المدينة.
تعول أوكرانيا كثيرا على نهائيات كأس أوربا للأمم (نظمتها مع بولونيا) لتحقيق إقلاع اقتصادي، شوارع جديدة ومحطات حديثة في مطار بوريسبيل الدولي، وتوقعت مصادر رسمية، حسب صحيفة "كييف بوست"، أن تصل مداخيل الدولة بتنظيم هذا الحدث الكروي 1،5 بليون دولار، غير أن هذا الرقم مثل أمور أخرى في هذا البلد الأوربي، يثار حوله شكوك كبيرة.
من القطاعات التي كان يعول عليها أن تحرك عجلة الاقتصاد الأوكراني الدعارة، في كييف لهذا النشاط طرق ووسائل كي يمارس بمباركة الدولة، فاحتجاجات جمعيات ضد الدعارة أيام المونديال الأوربي لم تغلق المحلات ولا الشركات الناشطة في هذا المجال، لذا كان تركيز تلك الجمعيات على إقناع الجمهور الأوربي بالذهاب إلى دور الدعارة المقنعة ونظمن وقفات بطريقة خاصة إذ شاركن عاريات الصدر رافعات شعار "سطوب أورو" و"كفى من الدعارة". يبدو أن هذه الخطة قد نجحت، فسوق الدعارة حسب الجريدة الأوكرانية نفسها لم تسجل ارتفاعا كبيرا، إذ فضل جمهور كرة القدم شرب البيرة والأكل عوض الجنس، خاصة الجمهور الإنكليزي.
تجارة "الفتيات المرافقات" وما شابهها لم تنجح وخرج أصحابها يشتكون في الصحف.
في كييف تتقلب أحوال البلد بتقلب أحوال الطقس، يقسو أحيانا ويشمس أحيانا، بعد الثورة البرتقالية عاد الحكم لمقربين من روسيا. روسيا الصديق العدو الذي يهيمن على قطاعات حيوية كثيرة، حتى الجنس من خلال مافياه المعروفة عالميا، غير أن كل هذا لا يظهر في الشارع الذي يحافظ على هدوئه وانضباطه.