تم مؤخرا تناقل أخبار مفادها أن مجموعة من رجال الأمن تم تنقيلهم إلى عدد من مدن الجنوب بينها العيون وزاكورة عقب قرار اتخذه المجلس التأديبي للمديرية العامة للأمن الوطني لمعاقبة هؤلاء (عشرة من رجال الشرطة) على «أخطاء جسيمة» ارتكبوها بمناسبة أداء مهامهم في الطرقات العمومية. لن ندخل في مضمون عمل البوليس المعنيين، وهل يستحقون فعلا الإحالة على المجلس التأديبي أم لا، لكن الذي يهمنا هو الصيغة التي تروج بها السلطة العمومية لعقاب موظفيها. فكلما تعلق الأمر بخطأ أو تقصير لمسؤول أمني (كبر شأنه أو صغر) يقال إن المعني بالأمر تم تنقيله تأديبيا إلى زاكورة أو السمارة أو الداخلة أو العيون وغيرها من مناطق الصحراء المسترجعة أو إلى مدن صحراء الواحات الممتدة من كلميم إلى محاميد الغزلان، دون أن يصدر أي بلاغ يبدد مخاوف المواطنين من النظرة الاحتقارية التي تتعامل بها السلطات الحكومية مع ساكنة هذه المناطق الصحراوية. إذ أن الدستور ينص على المساواة بين المغاربة، وهذه المساواة تشمل كل مرافق الحياة بما في ذلك الحق في الانتفاع على قدم المساواة من جودة المرفق العام وجودة الموظفين العاملين به. بمعنى أن المواطن في الشمال أو الأطلس لم يخلق بجينات تسمح بتعيين الأطر المرضي عنها في هذه المدن، بينما قدر ساكنة الصحراء المسترجعة وصحراء الواحات أن تكتفي بكل من غضبت عليه الإدارة المركزية.
لو كان الأمر حالة معزولة لالتمس المرء العذر للسلطات، لكن أن يتكرر مع كل حالة تأديب فهنا يتعين دق ناقوس الخطر من هذا الإسهال في احتقار مغاربة الجنوب. فقد عشنا هذه الحالة لما نقل رئيس أمن أنفا إلى السمارة ووالي أمن البيضاء إلى زاكورة ووالي أمن تطوان إلى الداخلة ونائب والي البيضاء إلى فكيك ومسؤول الاستعلامات بالمضيق إلى السماارة و«العشرة المبشرين» بالعقوبة الأخيرة الذين رحلوا إلى العيون وزاكورة! إلخ... وفي كل مرة كان يقال إن فلان نقل تأديبيا إلى زاكورة أو فكيك أو السمارة أو الداخلة أو العيون بدون مهمة أو عقابا على اختلالات مهنية دون أن يعقب ذلك بلاغ رسمي يوضح الحيثيات ويحدد المخاطب لتحديد المسؤوليات.
ودون التوقف عند استمرار مقولة «المغرب النافع والمغرب غير النافع»، فإن هذه الآلية العقابية التي تتعامل مع الصحراء كمزبلة للتخلص من المغضوب عنهم، تستدعي منا إبداء الملاحظات الخمس التالية
1) لا مفر من الإشارة إلى أن هذا النوع من العقاب بالتهجير والترحيل إلى الجهات المهمشة والمناطق البعيدة عن المراكز الحضرية الكبرى يعتبر آلية عقابية متداولة في كثير من المجتمعات المتخلفة، إلا أن تداولها لا يستبعد إمكانية التفكير فيها بطريقة مختلفة عن الآلية العقابية الجارية. ومن هنا أهمية هذا المحور وأهمية العناية به في الوطن اليوم. ذلك أن الوطن اليوم في حاجة إلى آليات عقابية ومؤسسات في الحكامة لا تخفي متطلبات مجتمع المواطنة، مجتمع التنمية والمساواة والجهوية الموسعة.
2) تخفي الآلية نظرة تحقيرية، ليس للأشخاص المعاقبين فحسب، بل للجهات والمناطق التي يتم ترحيل الموظفين إليها، وهي (أي الآلية العقابية) تخفي التفاوت الجهوي والتفاوت في خطط التنمية داخل المجتمع.. وهي تناقض كل شعارات مجتمع المواطنة ومجتمع الجهوية الموسعة التي ترفعها الدولة وتركب المجالس للعناية بها وبأسئلتها.