في كل يوم تسدد الخزينة العامة لمالك كل سيارة بالمغرب مبلغ 24 درهما كدعم للمحروقات التي يسكبها في خزان الوقود. أي أن كل مالك سيارة بالمغرب ترصد له الدولة 740 درهما من الدعم على المحروقات كل شهر. وإذا علمنا أن أسطول السيارات بالمغرب يصل إلى 2 مليون و250 ألف سيارة، فمعنى ذلك أن كل مالك تخصص له الدولة دعما قيمته 8888 درهما في كل سنة حتى لا يكتوي بلهيب «ليصانص». والحصة الكبرى من «فلوس الدعم» تخصص لسكان الدارالبيضاء بالنظر إلى أن هذه المدينة تحتضن لوحدها 55 في المائة من حظيرة السيارات بالمغرب. إذ بلغ الأسطول بالعاصمة الاقتصادية مليون و200 ألف سيارة. أي أن الدارالبيضاء لوحدها تلتهم 55 في المائة من حصة الدعم المرصود للمحروقات (11 مليار درهم من أصل 20 مليارا). والحال أن كلفة إنجاز الخط الأول من الترامواي بالدارالبيضاء بلغت 6 مليار درهم (بالتحديد: 590 مليار سنتيم) بمعنى أن السياسة الفاشلة لحكومة بنكيران (وللحكومات المتعاقبة) تحرم المدن المغربية الكبرى كل سنة من سبعة أو ستة خطوط للترامواي كل عام (خط الرباط كلف 150 مليار سنتيم). وبالتالي عوض أن تكون الحكومة في خدمة الشعب نجدها تخدم مصالح اللوبيات الفرنسية والإيطالية والألمانية المصنعة للسيارات. فلو اعتمدت الدولة سياسة واضحة وبرنامجا ذا سقف زمني معقول لتجهيز كل المدن الكبرى بوسائل نقل جماهيرية في المستوى وذات جودة عالية (ميترو - ترامواي - حافلات آدمية...) فلي اليقين أن الملايين من المغاربة لن يضطروا إلى «أكل رزق أولادهم» لشراء السيارة بالكريدي أولا ولما اضطروا إلى أكل رزق أولادهم ثانيا بتحمل مصاريف المحروقات، ولما كانوا تحت رحمة الحكومة التي تحول ضرائبهم إلى مصاريف عدمية في صندوق المقاصة لدعم المحروقات لوحدها سنويا ب 20 مليار درهم ثالثا، علما أن مبيعات السيارات بالمغرب كانت إلى حدود عام 2006 لا تتجاوز 20 ألف سيارة كل سنة بينما اليوم وصلنا إلى 130 ألف سيارة جديدة تسجل كل عام لدى مصالح وزارة النقل (نصفها بالبيضاء).
وإذا استمر المنحنى في التصاعد بهذه الوتيرة فلي اليقين أن حجم المخصصات لدعم المحروقات لن يكون هو 20 مليار، بل سيقفز إلى 40 أو 60 مليار درهم كل سنة.
وإذا استحضرنا أن صندوق المقاصة يدفع أيضا 6.5 مليار درهم كل سنة لدعم أسعار السكر والطحين (منها 3.5 مليار للسكر) في الوقت الذي كان مطلوبا من الدولة أن تقرر سياسة جريئة وواضحة ليس لتغيير عادات المغاربة الاستهلاكية بل فقط لترشيدها. ففي السكر مثلا يستهلك المغاربة كل عام مليون و240 ألف طن علما أن المغرب لا يوفر سوى 22 في المائة من حاجياتها من هذه المادة رغم تعدد المخططات «الخضراء والزرقاء والليمونية والعكرية» إذ يستورد المغرب 78 في المائة من حاجياته من السوق الدولية.
وإذا أسقطنا 150 ألف طن من الدعم التي تستهلكها شركات الأدوية والحلويات والمشروبات الغازية التي بإمكانها شراء المادة الخام من السكر من السوق الدولي بسعر أرخص مقارنة مع السعر بالمغرب (2500 درهم للطن عالميا بدل 3800 درهما للطن داخليا). فستوفر الخزينة حوالي 40 مليون درهم سنويا. وإذا قامت الدولة بمجهود لدفع المغاربة لترشيد الاستهلاك في القالب (المغرب هو البلد الوحيد بالعالم الذي يصنع فيه القالب مما يمنع أي شركة للاستثمار في القطاع ومزاحمة كوزيمار) فمن الأكيد ستوفر الخزينة حوالي مليار درهم أخرى، أي أن خانة دعم السكر ستوفر للدولة مليارا و40 مليون درهم.
نفس الشيء يصدق على الدقيق الذي تخصص له الدولة حوالي 3 مليار درهم سنويا كدعم علما أن المغاربة في كل عام يرمون من «الخبز الكارم» 2 مليار «خبزة كارمة» أي ما يمثل 40 في المائة من الاستهلاك. بمعنى أن الدولة تضيع في حدود مليار درهم أخرى هباء.
وبدل أن يكون بنكيران على بينة من هذه المعطيات وتكون له الجرأة لمصارحة المغاربة بالحقائق وابتكار حلول راقية نراه يقتحم دار المرحوم عبد اللطيف الفيلالي الوزير الأول السابق ويقرصن من إرثه قرار المقايسة الذي سبق له أن اتخذه عام 1995 ويصبغه بلون «البيجيدي» كأنه غنيمة حرب ما بعد دستور 2011، علما أن سياق 1995 ليس هو سياق 2013، بدليل أن مجموع ما كان يخصص لصندوق المقاصة عام 2002 مثلا لم يكن يتعدى 4 مليار درهم، واليوم وصل في عهد بنكيران إلى 51 مليار درهم.
ففي الحملة الانتخابية كان بنكيران يعد الناخبين بالقول: «صوتوا علينا راه غادي ندخلوكم للجنة». لكن يظهر أن المغاربة بدل أن يدخلوا للجنة أد خلهم بنكيران إلى جهنم. ومن علامات السعير الجهنمي أن أرباب الطاكسيات والحافلات بدأوا يستعدون لاغتنام الفرصة لرفع أسعار النقل. كما أن أرباب الشاحنات بدأوا يهددون بوقف شحن 90 مليون طن من السلع ما لم ترفع أسعار الشحن في حالة تحرير سوق المحروقات مع ما يعنيه ذلك من رفع أسعار الخضراوات والفواكه وباقي المستلزمات اليومية.
وهنا يفهم المرء لماذا سبق لبنكيران أن رخص بصرف اعتماد 30 مليارا للأجهزة الأمنية لشراء عتاد مواجهة الشغب والاحتجاجات (شاحنات مزودة بأنابيب الماء لتفريق المتظاهرين - مدرعات - قنابل مسيلة للدموع...) فالرجل «كان ناعس على «قرار خانز» اتخذه في شهر غشت الماضي.