إن أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت مجموعة من الناخبين المغاربة، باللجوء للتصويت على حزب العدالة والتنمية، هو إفلاس النموذج السياسي والاقتصادي للأحزاب المتعاقبة على تسيير الحكومات السابقة. حيث أدى تدبير الأحزاب الأخرى للشأن العام إلى العديد من الاختلالات، وعرف الكثير من قادتها بالتورط في ملفات الفساد، وإيثار المصالح الخاصة على المصلحة العامة، مما أدى الى تفشي مشاكل مزمنة في المجتمع من فقر وبطالة وغلاء معيشة وتردي وضع الصحة والمدرسة العمومية وغياب السكن الكريم للمواطنين وتراجع في الحريات الفردية والجماعية.
وهذا ما جعل المواطن المغربي يشعر بحالة من اليأس والإحباط، وجعله يتوجه للعدالة والتنمية بحثا عن مخرج لهذا الانسداد في الأفق السياسي والاقتصادي.
ومع تناقض مصداقية النخب والأحزاب التقليدية لدى المواطنين، وعدم اقتناعهم بوجود فرص حقيقية في حياة ديمقراطية وعيش كريم، لجؤوا الى التصويت العقابي ضد تلك النخب والأحزاب وعلقوا كل أملهم على البجيدي، من اجل أن يحقق لهم جزء من طموحاتهم في محاربة الفساد.
ولقد كان هذا السبب واضحا في تحليل النتائج التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية السابقة، وكون ذلك ردة فعل على فساد بعض من كانوا في السلطة من المنافسين.
لقد استفادت العدالة والتنمية في الغالب من المشاكل التي تعيشها النخب السياسية والاجتماعية الأخرى، والتي تعتبر مسؤولة عما آلت اليه وضعية البلد، وخصوصا أن عامة الناس يعتبرون البجيدي في الواقع يقوم بمهام معارضة المفسدين والفساد.
وحاول الحزب منذ السنة والتسعة أشهر، التي قضاها في الحكومة، أن يروج لصورة البساطة وأبناء الشعب، لوزرائه من خلال نشر صور لهم، وهو يتمشون في الأسواق الشعبية، او يفترشون الأرض مع عامة الشعب أو يتناولون وجبات شعبية في مطعم شعبي، كما أصر زعيم البجيدي على الحفاظ على الصلاة في المسجد الشعبي الذي يجاور منزله بحي الليمون، مع دعم هذا بحملات إشهارية تواصلية في الصحف وفي المواقع الاجتماعية، بنشر صور لرئيس الحكومة وهو في الصلاة رفقة أبناء حيه.
مما يوحي ان قيادة البجيدي حريصة على الحفاظ على صورة الاستقامة والبساطة كما هي في المخيال الشعبي المغربي عنهم، والدفع بعدم ابراز حالة التحول الاجتماعي على المستوى المادي التي انتقل فيها وزراء "اللامبة" من موظفين بسطاء في القطاع العمومي، إلى وزراء بسيارات فخمة وحرس وتعويضات دسمة.
هذه الحملات التي يقوم بها البجيدي هدفها طبعا هو الحفاظ على الرصيد الانتخابي والشعبية، التي تمكنهم من أصوات عامة الناس، التي ضاقت درعا من فساد النخب السياسية المغربية وانتهازيتها وتغليبها مصالحها الخاصة على مصلحة المواطنين.
لكن ما لم يتم الانتباه اليه من طرف قيادة البجيدي، أن ثنيهم وتبييض وجوه النخب السابقة المتورطة في الفساد، من خلال تصريحات قيادة الحزب في الإعلام او في جلسات البرلمان، سيعجل وبسرعة خارقة بسقوطهم.
لأنه عندما تخون القواعد الانتخابية وتتردد في محاربة الفساد، وتسعى الى الحفاظ عن الكرسي الحكومي، عبر تجاهل الناس التي أوصلتك إليه، سيعجل لا محالة بسقوطك في الامتحان القادم.
رغم ان البجيدي سينافس نفس النخب التي تعاقبت على التدبير الحكومي، لان الناخب سيكون أمام حلين، إما تعويض البجيدي بحزب أخر مادام " ولاد عبد الواحد كلهم واحد" كما يقول المثل الشعبي، أو الحل الثاني هو الالتحاق بالقطاع الواسع من المقاطعين للانتخابات في المغرب، والذين يعتبرون ان اللعبة الانتخابية، لا تسمح بممارسة السلطة بشكل حقيقي، نظرا للدستور المكبل والغير الضامن للفصل الواضح للسلط بالإضافة إلى القوانين الانتخابية والتقطيع الانتخابي، التي تنتج خارطة انتخابية مبلقنة، لا يمكن ان تعطي الأغلبية لحزب لكي يطبق برنامجه السياسي.