بعد ما يقارب نصف شهر من رمضان، وفي ملاحظة لما يكتب في الجرائد الوطنية، الورقية منها أو الالكترونية، او في المواقع الاجتماعية التواصلية، نستخلص أن ما يقدم من مواد "تسمى ترفيهية" على القنوات الوطنية لا تلقى ترحيبا شعبيا، مع العلم أن هذا الحكم هو نسبي وربما مجانب للصواب، على اعتبار أن السخط المنشور في الحوامل أعلاها مرتبط بفئة من المواطنين المتعلمين والمثقفين، بينما النسبة الكبيرة من ما يسمى شعبا لا علم لنا بموقفه من هذه الانتاجات، بل الأدهى أن أرقام المشاهدات التي تعلنها شركة مارومتري تفيد بأن هذه الإنتاجات تحقق أرقاما قياسية بالمقارنة مع فترات مماثلة من نفس السنة... لعله توجه عالم-إسلامي في الإعلام، هذا الذي قرن لحظة الإفطار بضرورة الترفيه والفكاهة أساسا، في تعبير لاشعوري عن لحظة الكرب التي تواكب الجوع والصيام طيلة النهار، وهو بالتأكيد توجه مبني على استقراء معين لمعالم السوق، سوق الإشهار بالتحديد الذي تستفيد منه القنوات جميعها، لكن السؤال المركزي، لماذا لا تجد النخبة المثقفة أو المتعلمة، المتابعة للإعلام الوطني بشكل عام، ذاتها أو متعتها فيما يقدم لها كمواد رمضانية؟
إن السخرية مرتبطة أساسا بالوضع القهري للإنسان، فعادة لا نسخر من سعادتنا بالقدر الذي نسخر فيه من شقاءنا وحزننا، هذين الأخيرين، قد يأخذان شكل المعاناة المباشرة المتمثلة في الفقر وفي سوء ظروف العيش وفي غياب الخدمات وهي أشكال مباشرة أو في غياب القيم واندحارها وسيادة التفاهة وتمييع الحياة اليومية، وأخيرا في القهر السياسي وغياب الحريات والظلم وانعدام الديمقراطية...
الانتاجات الوطنية لم ترق إلى مقاربة شروط الكآبة والشقاء التي يعيشها المواطن المغربي، لتحولها إلى لحظات ساخرة ونقدية، تبعت البسمة من جهة وتضع الأصبع على مكمن الجرح من جهة أخرى، فهي ضدا على كل الحراك الديمقراطي العالمي والمحلي، لم تنتبه إلى ضرورة ادماج لحظاته في ما تقدمه للمواطن المعني أولا بهذا الحراك والمتتبع له عبر وسائل الإعلام...
على المستوى الوطني، لم تقدم أي قناة، منتوجا تلفزيا واحد يهتم بالحياة السياسية، رغم حركيتها الحادة خلال السنتين الماضيتين، وانتباه المواطن إلى هذه الحركية، عبر الفضاء ألإعلامي، فتبني الدستور الجديد غائب، وصعود العدالة والتنمية غائب، وخروج الشباب إلى الشوارع للاحتجاج غائب وصراع الديكة بين شباط وبنكيران غائب، وهو الذي كان له أن يشكل مادة دسمة للفكاهة والسخرية في مواد تلفزية متميزة..
ليس لذلك علاقة بضعف السينمائيين والتلفزيونيين بالبلاد وحده، بل من جهة أخرى، بعقلية النخبة السياسية المتحكمة في المشهد العمومي، إذ أنه لا يمكن تصورها قابلة للسخرية كمقاربة انتقاديه لممارستها، ويبدو هذا الرفض جليا في حوادث عديدة مع الصحافة المكتوبة (لنا في كود سوابق)، سواء كمقالات أو في فن الكاريكاتور، فما بالك في أعمال تلفزيونية ذات الانتشار الواسع؟
ما يسمى فلتة هذا الموسم، وهي سلسلة لوكبل التي يقدمها الفنان حسن الفذ والفنانة دنيا بوتازوت، تجسد ملخص هذه المقاربة، إذ أنها تلامس الفكاهة عبر المعاناة الحقيقية للمواطن المغربي، سواء عبر محاكاة واقع الفقر الذي يتحرك في فضاءه هذا الإنتاج (شبه براكة التي يقطن فيها لوكبل)، أو عبر التطرق لغياب بعض القيم وانتشار أخرى، (سرقة الديك مثلا)، التسامح مع الخمر (هاد الفروج خاصو غير ليترو، القوالب، التحايل)، وهو عمل اختار حيزه الزمني الضيق، إذ لا يتعدى ثلاثة دقائق في طريقة ذكية لكي لا يطرح الأسئلة الأخرى التي تعني المواطن، أسئلة السياسة والسياسيين...