يثلج الصدر أن التحولات في بلاد الكنانة إستفزت مختلف الطيف السياسي المغربي وخلقت نقاشات مهمة ، من الطبيعي أن يذهب البعض فيها الى إسقاطات منها ما هو متعسف . بالنسبة إلي هناك دروس تتجاوز الوضعية المصرية . فالنقاش حول التدخل العسكري وهل نسميه إنقلاب أم تصحيح نقاش لا أهمية له . فالعلم السياسي يفضي إلى كون إقالة رئيس منتخب بهاته الطريقة إنقلاب على الشرعية . يبقى هذا الرد شكليا لأن الملايين من المصريين خرجت للشارع لتهتف بسقوط مرسي ، بالمقابل كان هناك حشد أقل أو أكثر منها يساند الرئيس المخلوع . الجيش المصري طرف في التحول الديمقراطي لأنه رفض الدفاع عن عن نظام مبارك وإنحاز إلى الشعب ، لإنه سيَّر المرحلة الأولى ، ولأنه قوة سياسية ، وإقتصادية وازنة . هاته خاصية مصرية لا توجد في تونس ولا في المغرب . الدروس المهمة يمكن تلخيصها في ثلاثة محاور : - الإخوان المسلمون ، زهوا بإنتصازهم الانتخابي ، أرادوا فرض تصوراتهم على كل المجتمع . مرسي أهان القضاء ، جماعته حاصرت المجلس الدستوري ، دفعوا بأخونة أجهزة الدولة الى حد بعيد ، هاجموا الحريات الفردية والجماعية . مرسي بنفسه كفَّر الشيعة وفتح الباب أمام العنف ، فتم قتل أربعة عناصر من هاته الأقلية ساعات بعد خطابه . هذا التصور هو الذي وحَّد كل المعارضات وخلق ذلك الزخم وراء حركة تمرد . الدرس إدن ، هو أن الأغلبية الإنتخابية شيء متحول وبالتالي فشرعيته محدودة بالإطار الديمقراطي الشامل . - فشل مرسي ومن معه على المستوى الإقتصادي . الوضعية كانت مزرية يوم تسلمهم المقاليد ، لكن إنعدام كفاءتهم زاد الطين بلة . انقطاع الكهرباء ، خصاص في البنزين ، شجة في الخبز ، مع تعميق أوضاع البطالة ، أفقدتهم مساندة شرائح إجتماعية لم تعد لتكتفي بالعمل الخيري . كان العمل الجمعوي أداة تعبئة لما كانت الجماعة في المعارضة ، أصبح دون معنى وهي تحكم . فالعاطل أصبح يطالبها بالشغل لا بكيلو من الطحين . نفس الإتجاه نراه في تونس ، حيث إسترجعت النقابة كل هيبتها لتنامي قوة المطالب الإجتماعية . الثورات لا تغديها المطالب السياسية فحسب : المطمح الحرياتي يوازيه دائماً مطمح المساواة ، وشقه الإجتماعي يفعل بقوة في الضمير الجمعي . - لم يستطع المصريون الحفاظ على وحدة ميدان التحرير ، لإنهم إنغمسوا في العملية السياسية دون توفير شروطها . فليس هناك أي توافق على طبيعة الدولة ، فلقد تبين أن وصفها بالمدنية لا يحمل نفس المعنى عند الإخوان وغيرهم ، وعلى التوازن بين المؤسسات ، ولا على مساحات الحريات الفردية ، بل لقد تبين أن مرسي لم يتوافق مع الأجهزة والجيش حتى على النظرة الإستراتيجية . يتبين إذن أن إختزال البناء الديمقراطي في عملية إنتخابات نزيهة وهم وسراب . لا بد من توافقات كبرى يلتزم بها الكل وضمانات لإحترام الفائز ، الأغلبية لها في كل الأحوال . والتداول على السلطة لا يغير هاته التوافقات . هذا الفهم للديمقراطية هو الذي مكن إنگلترا من بناء ديمقراطي دون نص دستوري إلى الآن . التوافقات حول الإختيارات الكبرى والتمايز في ما غير ذلك مع توفير مناخ يمكن من بروز الفرد ، أساس المواطنة . تلك شروط تاريخية لأي بناء ديمقراطي صلب ، يستطيع الإستمرارية . قبل مصر ، كانت التجربة المريرة لإسبانيا و محاولات الدمقرطة منذ نهاية القرن التاسع عشر إلى سقوط الفاشية الفرنكية . الآن مصر إما أن فترة البحث عن التوافقات ، وللجماعات الإسلامية دورها ، وإما أن تفضل سياسة الإقصاء وتفتح باب المجهول . نعم الديمقراطية هي الحل ، لكن بشروطها الكاملة . كل طرف يتكلم بإسم الشعب لاغيا الطرف الآخر هل هذا تصرف ديمقراطي ؟ جمال براوي