أختلف مع الممثلة المغربية فاطم العياشي حين قالت إنه لا يوجد فن نظيف ولا فن قذر، كأنها بذلك تحاول أن تكون معتدلة وفي الخط الوسط، وأن تسلم بأن السينما والآداب والفنون عموما تارة تكون نقية وطورا عفنة وملعونة، وأن المسألة في النهاية تتعلق باختيار وبذوق وبحساسية. لا، لقد ولد الفن أساسا لينتهك وليصدم وليستفز وليجدد، إنه لوثة ومرض، وأفراد عائلته هم ملاعين بالضرورة وأشرار، أما الفن النقي والمهذب فيدخل في خانة المواعظ وكتب التربية، وهناك فرق بين المجالين.
لقد انبهر السرياليون في القرن الماضي بتعريف محدد للجمال نقلوه عن الشاعر لوتريامون، "إنه مثل لقاء غير متوقع بين آلة خياطة ومظلة على طاولة تشريح"، وحين التقط الفنان الفوتوغرافي عثمان الزين صورة لفاطم العياشي وهي مستلقية في مكب قمامة، كانت رسالته واضحة، وأعطانا تعريفا آخر وجديدا للجمال، إنه مثل ممثلة سينمائية ناعسة في كومة أزبال.
هناك متعة تكمن في القبح، والعالم الذي نعيش فيه ليس نقيا، ودور الفن هو أن يستخلص الجمال واللذة والإمتاع من قبح العالم، ومن هنا بالضبط تكمن أهمية صورة فاطم العياشي كرد ذكي على من يسعى بكل الوسائل إلى خنق الإبداع وحصره في النصائح والأخلاق والتغطية على الواقع بكل تناقضاته ورسم حدود له انطلاقا من إيديولوجية ما.
لقد ظل جدل تحريم الفن والتضييق عليه من طرف الإسلاميين حصرا على الإعلام، ولأول مرة يظهر موقف صريح من هذا النقاش من فنانين، كنوع من أنواع مقاومة ذلك المد المحافظ الكاسح تأكيدا على قيمة الحرية التي صارت مهددة وسط صمت رهيب من المؤسسات الثقافية ومن الكتاب والمبدعين عموما.
طبعا، هناك من هو مستعد الآن لجلد هذه الفنانة في المواقع الإلكترونية وفي الفيسبوك، لأنها امتلكت جرأة أن تصدم هذا المجتمع المحافظ وأن تستفز دعاة الفن النظيف، وسنتأكد مرة أخرى كيف أن جزءا كبيرا من المغاربة يعيشون سكيزوفرينيا غريبة، يرفضون الشيء ولا يقوون على مقاومة رؤيته، ويتمتعون به ويشتمونه في الآن نفسه.
لقد شبهت فاطم العياشي من يدعو إلى الفن النظيف بالنازية، وهي على حق في ذلك، فقد كان هتلر يلاحق ما أسماه"الفن المنحط" ويخرب لوحاته ويسجن ويقتل رموزه، وكان يعتبرهم مرضى ومجانين، يجب التخلص منهم بأقصى سرعة كي لا ينتشر الوباء، حيث كان المبدع في نظره هو ذلك الذي يرسم لوحات تبرز قيم البطولة وتعلي من شأن الأمة الجرمانية وتمجد العمل في الحقول وتمدح الأخلاق ونقاء العرق وترسم بورتريهات عملاقة للزعيم، ليتحول الإبداع معه إلى عمل دعائي ممجوج، إلا أن هؤلاء المنحطين مثل كادنسكي وأوتو ديكس الذين طاردهم هتلر، مازالت أعمالهم خالدة إلى اليوم، في حين ذهب هتلر إلى مزبلة التاريخ، كوحش من الوحوش البشرية، رغم أنه هو أيضا كان يدعو إلى الفن النظيف.