تلقى أساتذة وطلبة وإداريو جامعة القرويين باستياء كبير التعيينات المشبوهة لعمداء كليات الجامعة. فقد دشنت وزارة الداودي تحمل مسؤولياتها في ظل الدستور الجديد، بوضع اليد على جامعة القرويين، والدفع بعدد من رموز الحزب والمتعاطفين معه إلى تقلد عمادات هذه الجامعة العريقة، من أجل التنازع بواسطتهم على مقعد السبق في تأطير المجال الديني مع مؤسسة إمارة المؤمنين ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. فبعد تنزيل الأستاذ الروكي بمظلة حريرية على رئاسة الجامعة، وتشكيل لجن انتقاء العمداء من بطانته وسدرة ولي نعمته وزير التعليم العالي، وممن ينتمون جميعهم إلى المجلس العلمي الأعلى، ومن لا تجربة لهم في التسيير الجامعي والتدبير المالي، ولا ماضي لهم على رأس جامعات أو كليات، ليعبثوا بمشاريع لا أهلية لهم بمناقشتها وفهم مراميها وإدراك رؤيتها لتنمية العنصر البشري في الألفية الثالثة، وتأهيل البحث العلمي وفق الحاجات العملية الملموسة لتطور المغرب. ثم أقدمت الوزارة الوصية بعد هذا الغربال الأولي على تغوير الجرح وتعميق العبث، بانتقاء عمداء لا يكتنزون من أهلية سوى ولائهم للظلامية المحتجبة وراء رداء واهن للديمقراطية والتنافس الحر وتقدير الكفاءة. ما هي علاقة الأستاذ الجليل محمد الروكي بالتسيير الجامعي؟ وما هي المقاييس العلمية الشفافة لاختيار الأستاذ التمسماني لعمادة كلية أصول الدين بتطوان؟ ولماذا قفز الأستاذ الزاهر من المركز الثاني، بقدرة قادر لاقتناص العمادة بتوصية من المكتب النقابي لكلية الشريعة بفاس، المنتسب للمصباح الخادع، وما هو الداعي العلمي والبشري والتدبيري الذي جعل الأستاذ الأزهري يظفر بعمادة كلية اللغة العربية بمراكش، وهو الثالث في ترتيب لجنة الانتقاء؟ هل هو تخصصه البعيد جدا عما تقوم به هذه الكلية من تكوينات؟ وهل هو مشروعه لتطوير الكلية الذي وقفت شخصيا على تفاهته إبان مقابلة المترشحين؟ في حين أن من بين من تنافسوا على المنصب من شغلوا نيابة العميد لأكثر من عقد من الزمن، ومن تشهد لهم محاضراتهم وتأطيرهم لطلبة الإجازة والماستر بالتفوق العلمي والانتساب العضوي لمهام وتخصصات القرويين؟
لم تعرف الجامعة عبثا سياسويا مثل الذي تشهده الآن، على أيدي من يدّعون الشفافية ومحاربة الفساد. وهم يرسخون ركائز المكر والمحسوبية داخل أعرق جامعة في الكون، ويقتلون فينا الأمل النبيل في تجاوز هفوات الماضي، ذلك الماضي الذي غدونا نأسف على إدباره، لأنه كان واضحا وجليا وله منطقه وآلياته. أما أن يستغفلنا المارقون عن الجادة باسم ديننا المشترك، ويطفئون في وجداننا جذوة الإيمان بالكفاءة والاستحقاق وتقدير التفوق والرؤيا المفصلية الواضحة، فتلك أم الكبائر التي لن يغفرها لهم التاريخ.
ونقول: تلك كراسي سرقتموها غصبا ممن هم أهل لها، كما فعلتم مع حمية شباب 20 فبراير. بإمكانكم أن تجبرونا على بلعها وتضميد لوعة الحكرة التي بلوتمونا بها. لكنكم لن تجبرونا على الانتساب العضوي لمشاريع الجامعة، واقتراح برامجها وأنشطتها العلمية، لن تجبرونا على تجاوز ويل للمصلين سنقوم بمهامنا القانونية، وعليكم إن استطعتم أن تبنوا المسالك وتنسقوا بين مؤطريها، وأن تسيروا الشعب وتزرعوا الروح في شرايين الأنشطة الثقافية والمناقشات الأكاديمية ووحدات البحث والماستر والدكتوراه. فإن كان من يمسك خيط المكر يخال أن السطو على كراسي العمادة، يمهد له ترويض الباحثين على فتوحات العدالة والتنمية، فهو حالم. وما عليه إلاّ أن يستورد الباحثين والأساتذة والإداريين والمياومين. لقد ورثتم أرضا قفرا وسهلا جذبا وبيتا خرابا. وما عليه، وعليكم معه إلاّ أن تحملوا وزر صنيعكم المشين في حق الجامعة وجحافل الطلبة، آمال الأمة.