هناك تشابه بين بنكيران وبين نوبير الأموي، الأول يلعب دور رئيس حكومة ساخر، والثاني يحاول أن يكون معارضا ساخرا هو الآخر. كان بنكيران في حاجة إلى من ينافسه في نكته السمجة، وهاهو الزعيم النقابي الشهير يظهر فجأة بعد غياب طويل، ليملأ الفراغ وليواجه النكتة بالنكتة والشعبوية بما يفوقها. من الآن فصاعدا أصبحت الفرجة مضمونة، وكلما تحدث بنكيران عن العفاريت والسلاكط رد عليه الأخ نوبير الأموي بالهيبوش والدراري الصغار. لكن هل مازال يملك الزعيم الأبدي القدرة على الكلام وعلى الإعلان عن الإضرابات كما كان يفعل في زمن مضى وانقضى، وهل استيقظ فعلا من نومته بعد كل هذا السبات والحروب الطاحنة مع ذوي القربى، وقرر أن يخبرنا أنه مازال موجودا ومناضلا وأنه بإمكانه أن يخرج هو وشعبه في مسيرة حاشدة ضد هذه الحكومة التي تحارب العمل النقابي. مشكلة الأموي الكبرى أن هناك جيلا جديدا لا يعرفه، لقد غاب عن الأنظار حتى لم يعد يذكره أحد، وحتى الذين يتذكرونه ظنوا أنه تقاعد، و يتحدثون عنه كمرحلة من تاريخ المغرب، حين كان بمقدور كلمة واحدة منه أن تقلب البلاد عاليها على سافلها، وأن ترعب السلطة، حيث مازالت أحداث إضرابات الثمانينيات وبداية التسعينيات ماثلة للعيان بكل مآسيها. في الماضي كانت نقابة الأموي قوية فعلا وكان يتحالف مع أفيلال الاستقلالي الذي انقلب عليه شباط، أما الآن فكل النقابات ضعيفة وفاقدة للمصداقية بعد أن صار عددها أكثر من العمال، وبعد أن نامت لسنوات في سلم اجتماعي طويل فرضته مصالح سياسية، كما ظهرت نقابة إسلامية وتغلل إسلاميون آخرون في نقابات كانت محسوبة على الأحزاب التاريخية، في وقت يحاول فيه الأموي الآن العودة بآلة الزمن إلى الوراء، وأن يلم شمل العائلة الكبيرة، التي تفرقت بها السبل وشتتتها المصالح والصراعات والحسابات السياسية. لا أعرف بالضبط عدد السنوات التي قضاها نوبير الأموي على رأس الكونفدرالية، إلا أن الأكيد أنه استمر زعيما لعقود من الزمن، في مفارقة مغربية بامتياز، حيث من يطالب بالديمقراطية ويناضل من أجل حقوق العمال هو نفسه لا يؤمن بالشعارات التي يرفعها ولا يطبقها في بيته الداخلي، ولا يجد أدنى حرج في الظهور بعد طول غياب، ليقول للحكومة أنا موجود، وليعلن عن تنظيم"مسيرة الكرامة أولا" الأحد القادم، وليتنافس مع بنكيران في إضحاك المغاربة وتسليتهم، تطبيقا لمبدأ"كما تكونوا يولى عليكم"، برأس حكومة يحل المشاكل بالتهريج وبزعيم نقابي خرج من القمقم فقط ليبز عبد الإله بنكيران في هذا الفن، والمستقبل وحده سيظهر لنا من سيتفوق بين الاثنين، هل صاحب العفاريت أم مخترع الهيبوش.