سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حرب تصفية مالية جديدة بين التلفزيون العمومي وحكومة بنكيران، الأولى ترى في الميزانية العمومية بقرة حلوبا ودوزيم تتسول الدولة بعد اقترابها من حافة الإفلاس وميدي 1 تي.في تأخذ باليسرى ما عجزت عن أخذه باليمنى
ما إن وضعت موقعة دفاتر تحملات الإعلام العمومي أوزارها، حتى استفاقت حرب خفية جديدة بين الحكومة والتلفزيون العمومي بقنواته الثلاث، الأولى، دوزيم وميدي 1 تي في، عنوانها هذه المرة ليس سياسيا، بل اقتصاديا محضا، وربما تكون هي رأس الفتنة الحقيقية التي اختفت وراء سنة من معركة دفاتر التحملات، التي تظل في نهاية المطاف مجرد أوراق لا تسمن ولا تغني من جوع ما لم توفر للقنوات العمومية السيولة المالية اللازمة لتنفيذ ما حملته من التزامات صار يعرفها القاصي والداني. قوة هذه الحرب الخفية تختلف من قناة لأخرى، حسب درجة ما خرج منها للعلن وما لازال حبيس الكواليس والصالونات السمعية البصرية. فالأولى تشتكي هذه الأيام من تأخر صرف ميزانيتها من طرف حكومة بنكيران بسبب تأخر التوقيع على العقد البرنامج الجديد بين العرايشي ووزارة المالية ووزارة الاتصال، لدرجة عجزت معها على تسديد مستحقات المنتجين المتعاملين معها، مما صار يمهد لميلاد نقابة جديدة بالقطاع شبيهة بنقابة الباطرونا تجمع على الخصوص منتجين لم يألفوا يوما أن يضغطوا على زر صندوق دار لبريهي ولا يحصلون على شيء. هذه الوضعية تكشف النموذج الاقتصادي الأول للتلفزيون العمومي والمبني على الاتكالية الكلية على الميزانية العامة، حيث سبق لدار لبريهي ان استفادت من عقدي برنامج ما بين 2006-2009 و2009-2011 وفرا لها ميزانية سنوية تزيد عن مليار ونصف درهم، تغطي بها كل نفقاتها، على أساس أن مداخيلها الإشهارية البالغة 250 مليون درهم سنويا تظل مجرد "خضرة فوق الطعام"، لدرجة ان العرايشي سبق له أن اقترح سنة 2009 إمكانية استغناء قنواته على الإشهار مثل ما فعل ساركوزي "بفرانس تلفزيون"، لدعم القطاع الخاص بها، ما دامت الدولة "بقرة حلوب" أغدقت على دار لبريهي على عهد حكومتي جطو وعباس الفاسي عقود برامج لم تعقبها أية محاسبة في صرف كل هذه الأموال سواء في ورش التلفزة الرقمية الارضية او دعم الإنتاج الوطني او خلق قنوات وإذاعات جديدة او تكوين الموارد البشرية...، بما فيها البرلمان، الذي يفترض فيه أن يراقب ويسائل العمل الحكومي، تماما كما فعل في دفاتر تحملات الخلفي. هذا النموذج الاقتصادي يجعل العرايشي مرتاحا تجاه سؤال الجودة ونسب المشاهدة، فميزانيته مضمونة سواء قدم اعمال جيدة او سيئة وسواء أقبل على منتوجه المشاهدون او نفروا منه، لذا لا تقلقه شعبية سياسته ما دام الموعد الإخباري للثامنة والنصف مساء يحظى بمباركة أصحاب الحل والعقد التلفزيوني.
النموذج الثاني تمثله دوزيم، وهو نموذج معقد اقتصاديا نوعا ما. فالقناة عمومية، لكنها لم تعد تستفيد من دعم الدولة منذ أن حجبه العرايشي عنها بعد مجيئه رئيسا مديرا عاما للقطب العمومي سنة 2006، في قرار وصف حينها بمحاولة العرايشي قتل قناة يثير نجاحها غيرته، فصارت تقتات من مداخيلها الإشهارية البالغة 700 مليون درهم سنويا وبعض الدعم العمومي الذي تقلص إلى حدود 50 مليون درهم، وجاء بسليم الشيخ خلفا لبنعلي لتنفيذ هذه الاستراتيجية الجديدة، وقوامها مسلسلات مكسيكسة وتركية وبرامج ترفيهية بالجملة، لكسب فئة معينة من المشاهدين/المستهلكين وبالتالي أموال المعلنين. وبسبب تذبذبات السوق الإشهاري وتزايد نفقات القناة، كانت النتيجة، وصول القناة إلى حافة الإفلاس بداية السنة الحالية، قبل أن تتدخل الدولة في "عملية مالية مبهمة" لإنقاذها، بأن تمت إعادة جولة ما تبقى من اموال العقد البرنامج الموقع سرا بين وزير الاتصال السابق الناصري ودوزيم، والبالغ قيمتها 50 مليون درهم، في رأسمال القناة. اليوم تخرج القناة عن صمتها وتشرع في التوسل للدولة من أجل منحها دعما عموميا مماثلا للقناة الأولى بعدما اضطرت إلى توقيف مجموعة من البرامج والتقليص من ميزانية التصوير الخارجي، في إطار تقليص النفقات بسبب عجز ميزانيتها، علما انها خلال السنوات الماضية ظلت تفتخر بنموذجها الاقتصادي المبني على الحس الماركوتنغي الذي استورده سليم الشيخ عندما كان مسوقا أو ماركيتور "للبقرة الضاجكة" لكن هذه المرة، خانته بقرته، عندما لم تضحك وسط قطاع يختلط فيه السياسي بالاقتصادي.
أما ميدي 1 تي في، وتلك ثالثة الأثافي، كما قالت العرب قديما، فتبدو اليوم في وضعية مالية أشبه بتلك التي بدأت بها دوزيم طريقها نحو الهاوية قبل ثلاث سنوات. فالقناة هي الاخرى قناة عمومية بعدما جرى تأميمها عقب تخلي فرنسا ساركوزي عنها، لكنها في المقابل لا تحصل على اي دعم من الدولة في صيغة عقد برنامج. لكن ذلك لم يكن رفضا من الدولة على عهد وزير الاتصال السابق الناصري، بل تمنعا من القناة عندما كان يراسها احيزون قبل ان يسلم مفاتيحها للعزوزي الذي صار على نفس النهج، وذلك حتى تظل بعيدة عن الوصاية الحكومية وما يترتب عنها من التزامات بخصوص الخدمة العمومية والحكامة خصوصا كما يراها قاموس حكومة بنكيران. في المقابل تسترجع القناة ما عجزت عن أخذه باليد اليمنى عن طريق العقد البرنامج، باليد اليسرى من خلال صناديق المساهمين العموميين في ماليتها وفي مقدمتهم صندوق الإيداع والتدبير الذي يمتلك نصف رأسمالها، لذا تبقى القناة اكثر حرية من قنوات العرايشي في وضع برامجها وصياغة عقودها الإنتاجية والتوظيفية.
بلا شك أن هذه الوضعيات المالية البهلوانية للقنوات العمومية ستصطدم بشعارات الحكامة التي ترفعها الحكومة من خلال ثلاث محطات مقبلة، أولا تجديد العقد البرنامج مع دار لبريهي وربطه بالمحاسبة، ثانيا إعادة الدعم العمومي لدوزيم لتبرير إلزامية تنفيذها لما جاء في دفاتر التحملات من برامج للخدمة العمومية ستؤدي إلى إعادة النظر في نموذجها الاقتصادي، وثالثا، تجديد دفاتر تحملات مدي 1 تي في من طرف حكومة بنكيران السنة المقبلة وبالتالي إعادتها إلى حظيرة "إكراهات الخدمة العمومية" مع كل ما ينذر به ذلك من اصطدام جديد بين التلفزيون والحكومة.