يكبر يوم بعد يوم سر العقيد رياض الأسعد، وتدور إشاعات كثيرة عنه، منهم من يقول انه قتل في حلب وآخرون يقولون انه معتقل في السجون التركية وآخرون يقولون انه أصبح في الداخل السوري وفي مركز سري في قيادة الجيش السوري الحر داخل سوريا، وآخرون يقولون انه انتحر. أسرار كثيرة حول العقيد رياض الأسعد. وقررنا استئجار طائرة خاصة من مطار بيروت الى مطار هاتاي في تركيا حيث المدينة جميلة وحركة المطار غير كبيرة. وصلنا أمام الأمن العام التركي، حسب ما نشره موقع "التيار الوطني الحر"، فأعطى الإذن بالدخول على أساس ان اللبناني لا يحتاج الى تأشيرة دخول الى تركيا لكن الوجوه عابسة وغليظة في تركيا لدى المسؤولين. خرجنا من المطار وذهبنا الى الفندق وهو فندق غير مشهور لأننا لا نريد أن نثير الشبهات والتساؤلات أو لقاء نواب من تيار "المستقبل" كعقاب صقر الموجود هناك أو غيره. جلسنا في الفندق القديم على أطراف هاتاي وخطتنا معرفة مصير رياض الأسعد قائد الجيش السوري الحر. في الصالون الداكن داخل الفندق التقينا بشاب مغربي وكانت ملامحه العربية ظاهرة عليه وتكلم باللغة العربية مع رفيقه لكنه ظهر انه يتكلم الفرنسية أكثر وأكثر. طلبنا منه نبيذا وبعض المأكولات وجلسنا إلى الطاولة نحن الاثنين نفتش عن رياض الأسعد اللغز الدولي من موسكو إلى واشنطن إلى أوروبا إلى العالم العربي كله. وعن طريق المزاح سألت عامل الفندق هل العقيد رياض الأسعد يستأجر غرفة عندكم، فأجابني بالمزاح أيضاً نعم انه في الطابق الثاني، ثم أكمل كلامه وقال كان يأتي دائما إلى هنا مع 4 ضباط ويتناولون الأكل والطعام المعزز باللحوم، وكان دائماً يضحك وكان ودوداً وقريباً منا وكان كريما بالمال يقدم مساعدة لكل من خدمه على الطاولة. سألته انك تتكلم عنه وكأنك تحبه فقال «نعم إني أحبه لأني ضد النظام السوري». لم نرد أن ندخل في السياسة وانتظرت أن يبتعد قليلا عن الطاولات لأقول له أنا مستعد أن أعطيك المال الذي تحتاجه إذا كنت تستطيع إرشادي إلى معلومات أو إلى مكان وجود العقيد رياض الأسعد. تطّلع خلفه وقال لي هنالك مخابرات تركية تنظر نحونا اطلب مني الأكل ولائحة الطعام، ولاحقا نتكلم في الغرفة لكن الآن يجب أن تعود إلى الطاولة وهكذا حصل. طلبنا الطعام نحن الاثنين وبدأنا تناول المأكولات وجلس قبالتنا رجلان وهما الذي قال عنهما أنهما من المخابرات التركية وقام احدهما بسؤالي منذ متى أنت هنا فقلت له منذ ساعتين، وتابع من أين تأتي؟ قلت له من لبنان، ماذا تفعل؟ أجبته بأني صحافي، طلب البطاقة الصحافية وجواز السفر فتأكد منهما وبعد ربع ساعة غادر المكان هو ورفيقه لأنهي تناولي الطعام واذهب إلى الغرفة. وأعطيت الإشارة إلى الخادم ففهم المغربي دون أن يقول كلمة ودون أن أناديه بل من خلال نظرة. بعد خمس دقائق دخل الغرفة وهو يحمل عدة تنظيفات وكأنه يريد تنظيفها، قال لي أحتاج ألف دولار وطبعاً أفضل ألف يورو فناولته ألف أورو، فتعجّب مني وقال لم تطلب مني أي شيء وتعطيني ألف أورو؟ أنا راتبي هنا 70 أورو بالشهر، فقلت له ساعدني بالوصول إلى الأسعد ولا تسأل عن المال. قال لي إن الأسعد أحياناً يأتي إلى الفندق مع عائلته ويجلس مكانه وأحياناً يأتي مع ضباط عسكريين لابسا البدلة العسكرية للجيش الحر أو غيره. قلت له متى جاء آخر مرة لزيارتكم قال منذ 3 أيام من إعلانه أن القيادة للجيش السوري الحر ستنتقل إلى الداخل. فقلت له هل رأيته مرتاح عندما حضر منذ 3 أيام، قال لي لأول مرة رأيته حزيناً وغاضبا إلى حد ما خاصة أن أكثر من 10 عناصر من المخابرات التركية كانت متواجدة في الفندق لمراقبته مع إن لديه مرافقة سورية تركية لحمايته، مؤلفة من 15 رجلاً لكن المخابرات التركية تعمل بمعزل عنه. أخبرني الخادم أن الأسعد كان متضايقاً جداً وقال لي انه كلما جاءته مكالمة وقام ليتحدث على انفراد تقترب المخابرات التركية لتستمتع إليه. قلت له، متى آخر مرة جاء؟ قال الثالثة فجراً وسهر حتى الصباح، وقال انه يحب الفندق لأن مديرة الفندق اسمها ناديا وهي سورية وتمزح معه وكان قريباً جداً منها ويتكلم أحيانا معها ساعة أو ساعتين، فيما المخابرات التركية تغلي ولا تعرف ما يدور من حديث لأنه يجلس على طاولة بعيدة ولكن المخابرات كانت تأتي إلى ناديا ويطرحون عليها عشرات الأسئلة عن الأسعد ولكني لا اعرف ماذا كانت تجيب الآنسة ناديا ولكنها كانت تعرف كيف تنهي الحديث معهم دون مشاكل. وقلت له هل كان يبقى عندها فقال انه تعشّى مرتين في منزل السيدة ناديا ومنزل زوجها وكان يأتي في الأسبوع اليها مرتين أو ثلاث ويشرب الشاي عندها. لم يكن يعرف أكثر من ذلك، الخادم المغربي وخرج بعدّة التنظيفات من غرفتي فوجد قرب الباب عنصراً من المخابرات التركية فارتجف رعباً وقال له كنت أنظف الغرفة فلم يجبه العنصر التركي ونظر إلي فقلت له بغضب أنا صحافي أفتش عن مصير رياض الأسعد ولست بمخابرات، لذلك أرجو أن تتركوني اعمل بسلام كصحافي ولن أخرج عن القوانين التركية. جاء الصباح وفتحت شباك الغرفة التي تطلّ على حديقة جميلة ولكن الفندق صغير مع الحديقة ولكني كنت أتساءل لماذا المخابرات التركية تطوّق كل شيء بتلك الطريقة العنيفة خاصة موضوع رياض الأسعد؟
إلى منزل ناديا؟ عند الحادية عشر ذهبنا إلى منزل ناديا برفقة الخادم المغربي كما اتفقنا وأعطيته المزيد من المال وعندما سألت ناديا عن الأسعد لم تجب بل بكت وقالت أنا أحببته وكان لطيفاً جداً وأنا لا أريد أن تتكلم في السياسة كثيراً لا عن بقاء النظام أو سقوط النظام، ولكني حزينة جداً لأني لا أعرف شيئاً عنه ولا ماذا حلّ به. قلت لها كنت تجلسين ساعات معه وحديثكم عميق وتتكلمون عن كل شيء، فهل تسمحين لي أن أسألك ماذا كان يدور من حديث بينكما؟ فنظرت إلي وبكت وطلبت من زوجها والخادم البقاء في غرفة الجلوس لأنها تريد أن تكلمني وقالت لي أنا اعشق اللبنانيين وأحبهم ووجهك يدلّ على البراءة والصدق واستطيع التكلم معك. دار حديث هامس بيننا ثم جاء زوجها وقال إن سيارة مخابرات تركية موجودة أمام المنزل، فقالت فلتأتِ سيارة المخابرات ولا يهمني أنا سورية تحت احتلال تركي ولو مرّ زمن طويل. تهامست معها بالحديث وقلت لها أين رياض الأسعد وكيف استطيع أن أعرف آخر أخباره فسكتت أكثر من 5 دقائق ولم تتكلم ثم بكت مرة جديدة ومسحت دموعها وقالت إني حزينة على فقدان رياض منذ كان شاباً وسيماً بريئاً بعيداً عن العنف وعلى الرغم من انه قائد للجيش الحر ولكنه طبيعياً وقريباً من كل الناس، فقلت لها، ناديا هل تريدين أن تفتحي لي قلبك؟ قالت نعم، قلت أخبريني أين الأسعد؟ فقالت لا أعلم عنه شيئاً كان هنا منذ 3 أيام وسهر كل الليل وكنا نتكلم كل الوقت وكنا وحدنا وكان الليل يتحدث معنا بسكونه وظلامه، قلت لها ماذا قال لك؟ فقالت: لعن ساعة الحرب في سوريا، لعن حوادث القتل والذبح، لعن الفتنة في سوريا، وكان يقول: لماذا حصل ذلك، لماذا لا نجد حلاً للأمور؟ يجب حل مشكلة سوريا بطريقة أخرى وأن لا تموت الناس هكذا على الطرقات ولا أن يتم قتل المقاتلين من الجيش الحر ولا من الجيش النظامي حتى إن العقيد الأسعد حينما جاؤوا إليه بجثمان ضابط سوري قتلوه وجاؤوا به إلى تركيا لأن عائلته من اللاجئين هناك حضر الأسعد بنفسه وقدم له التحية العسكرية. قلت لها ماذا عن علاقته بالأتراك، قالت سيئة، قلت لها كيف ذلك، اشرحي لي، فقالت كانوا يريدون أن يعطوه أوامر دائماً كان يغضب من ذلك وكان عليه أن لا يتحرك دون إذن منهم وكان عليه أن لا يتكلم بجهاز سوري بل بواسطة جهاز تركي، وقال لها لم استعمل الهاتف إلا مرتين عندما تكلمت مع والدي ووالدتي، سكون وذهول وسكون وأنا أريد أن اعرف شيئاً من الأسعد قالت لي سنذهب من الباب الخلفي كي لا ترانا المخابرات التركية، قالت سنزور ضابط سوري متقاعد وهو في هاتاي منذ عشر سنوات ولكن المخابرات تملأ المنطقة وإذا سألك أحدهم أي شيء اترك لي الحديث كي أتحدث مع المخابرات التركية. ثم قالت لي إنه بعد سقوط الطائرة التركية اجتمع الأسعد مع ضباط أتراك فأسمعوه كلاما سيئا وكأنه ليس قائد للجيش السوري الحر وقالوا له نحن سمك القرش في تركيا وأنتم سمك السردين في سوريا فحفرت تلك الكلمة في قلبه وعقله وحزن كثيرا وقال نحن نموت من اجل قضية ولا علاقة لنا بأصناف الأسماك. ثم قطع جلسته مع الأتراك ونزل مكتبه في الطابق السادس.