رغم كل هذا النقاش العمومي الذي تعرفه الساحة السياسية والإعلامية المغربية منذ حوالي شهر حول دفاتر تحملات الإعلام العمومي كما أعدتها وزارة الاتصال في حكومة بنكيران، فإن القنوات العمومية الثلاثة الأولى ودوزيم وميدي 1 تي.في ومعها وكالة المغرب العربي للأنباء لم تخصص أيا من برامجها لنقل وعكس هذا النقاش الذي وصفته أكثر من جهة إما اقتناعا أو تهربا من المساءلة "بالصحي" كمثال حي على العلاقة الموجودة اليوم بين التلفزيون المغربي وما تعرفه البلاد من حراك كيفما كان عنوانه. فالقناة الأولى اكتفت فقط بنقل جلسات الأسئلة الشفوية بالبرلمان التي خصص جزء منها لهذا الموضوع، لكن ليس حبا في نقل هذا النقاش العمومي بقدر ما هو تنفيذ لإلزام أو "إكراه" قانوني للقناة بنقل وقائع هذه الجلسات. أما خارج هذا الإلزام، وعلى مدى كل الشبكة البرامجية الاختيارية للقناة، فلم يتم تخصيص أي برنامج حول الموضوع مفضلة مناقشة مواضيع أخرى مثل الشغب في الملاعب وغض الطرف عن الشغب الأكبر الذي أسفرت عنه دفاتر الخلفي. نفش الشيء بالنسبة للقناة الثانية، وإن كانت قد ذهبت أبعد من ذلك، عندما تحدثت خلال النشرة الإخبارية ليوم الجمعة الماضي عن حديث وزير الاتصال مصطفى الخلفي عن تأجيل تنفيذ دفاتر التحملات رغم أنه لم يصرح بذلك رسميا. فلماذا هذه المقاطعة؟ قد تكون لواحد من هذه الأسباب: إما لأن العرايشي طرف في هذا النقاش وبالتالي فمن باب الأخلاقيات لا يود توظيف قنواته لخدمة مصالحه، وإما أن الموضوع لا يستحق كل هذا الاهتمام وبالتالي الاعتراف بأنه نقاش "مفتعل" وإما أن العرايشي يخاف أن يفتح الشاشة للرأي والرأي الآخر بخصوص دفاتر التحملات، فيقتنع المشاهدون برواية الخلفي. في كل الحالات ومهما كان السبب فإن المقاطعة مدانة، لأن التلفزيون اليوم الذي يرفض الجميع وصاية حكومة منتخبة عليه، يجب أولا أن يتحرر من وصاية العرايشي عليه على اعتبار أنه ملك عمومي لكل المغاربة كما يردد اليوم كل من يعارضون دفاتر الخلفي عن علم أو دون علم. وبالتالي فخطه التحريري وإنصاته لما يقع على الساحة العمومية، لا تحددها الأهواء الشخصية بقدر ما يجب أن تحددها تدابير داخلية تتمتع بالاستقلالية ووثائق قانونية من صنع حكومات منتخبة سواء أكانت بلحية أو بدونها. أما ميدي 1 تي.في فتلك قصة أخرى، فالقناة كانت تحضر لبرنامج خاص لمناقشة دفاتر التحملات وكانت قد ربطت الاتصال بمجموعة من الضيوف لهذا الغرض، قبل أن يرن "الهاتف" ويلغى كل شيء في آخر لحظة خصوصا بعدما تأكد لقاء الملك ببنكيران يوم الأحد 22 أبريل. أما وكالة المغرب العربي للأنباء، فلم يسمع لها ضجيج، ولم تنقل كل الآراء التي عرفتها الساحة حول دفاتر التحملات. وكأنها وكالة تنقل أخبار جزر الوقواق، في حين بقيت على النقيض من ذلك حريصة على بث أخبار أكد وقال ودشن واستقبل ووشح وهنأ...