قبل أشهر، بل قبل أيام فقط، كان حزب العدالة والتنمية معارضا شرسا لمشروع القطار الفائق السرعة، وبقدرة قادر، ومثل معجزة، أصبح هذا الحزب يعدد مزايا المشروع ويتنبأ بالفوائد الجمة التي سيجنيها المغرب منه، وينتقد كل من يعارضه، دون أن يرف لوزيره في التجهيز والنقل جفن. كان حزب العدالة والتنمية مع العربات المجرورة ومع النقل السري ومع البغال والحمير ومع القطار البخاري ومع الحافلات المهترئة، ومع السفر ببطء، ومع مشية السلحفاة، لكنه كان صارما في موقفه من التي جي في، هذا الكائن الخرافي الذي سيأتي ليلتهم مال الدولة بكلفته الغالية كما كانوا يقولون، وكما قادوا ضده حملة شعواء، وعملوا بكل جهد على تشويه سمعته، إلى أن اعتقدت أنه هو الآخر قطار علماني وأنه جيب من جيوب المقاومة، ويشتغل لحساب لوبي فرنكوفوني، يسعى إلى السيطرة على خطوط السكة الحديد. يبدو أن حبل الشعبوية قصير، مثل الكذب تماما، وهي تكشف لنا اليوم وزراء العدالة والتنمية وهم يخرجون أمام الملأ عراة، تفضحهم ديماغوجيتهم وخداعهم للناس. إنهم في عجلة من أمرهم ولم ينتظروا إلى أن ننسى، فقبل ساعة من الآن كان القطار الفائق السرعة شرا مطلقا، وبعد ساعة صار خيرا مطلقا. أحترم كثيرا من كانوا يدافعون عن المشروع منذ البداية، وأحترم أيضا من كانوا ضده، لكن لا يمكنني أبدا أن أحترم حزبا يكذب ويدغدغ مشاعر الناس ويستميل أصواتهم ليخدعهم بعد ذلك، ويناقض كل ما كان يقول وكل ما كان يدعي. فعلوها قبل ذلك مع العاطلين حاملي الشهادات، وفعلوها أيضا مع النقابات، كأنه حزب جاء ليكون ضد نفسه، ليعارض برنامجه وخطابه، ليقتل شعاراته، ولا بأس بعد ذلك من بعض آيات من الذكر الحكيم، ومن صلوات في التلفزيون، ومن حملات منظمة ضد الغناء والرقص، لأنهم يعرفون أن الجمهور مغفل وتنطلي عليه الحيلة بسهولة، ويكفي أن تمسه في الوتر الحساس ليصفق لك. طبعا لن يجد بنكيران ولا الرباح صعوبة في إقناعنا بهذا التحول في الموقف، فرئيس الحكومة عودنا دائما أنه لم يكن يعرف ويتعلم من خلال الممارسة اليومية، وحين تعلم واقترب من المشروع تأكد من فائدته التي كانت متخفية بفعل خداع السرعة، التي تظهر لنا الأشجار الواقفة والثابتة في الأرض تجري وتسابق المسافرين في القطار، كأننا أمام حكومة محو أمية ، ووزراء يتدربون على السلطة، وعلينا أن نتعاطف مع جهلهم ونشجعهم عليه، إلى أن يحصلوا على شهادة التخرج. إنها البداية فقط، وقد نسمعهم غدا يصرحون أنهم ضد توظيف الدين في السياسة وأنهم كانوا مخطئين وهم يستغلون الإسلام من أجل الوصول إلى السلطة، فمن يكذب كذبة صغيرة ويتنكر لأقواله بهذه السرعة، يمكن أن تنتظر منه أي شيء.