اكتشفت فجأة هذه الأيام أن صغيرتي التي لم تبلغ بعد عامها الرابع أصبحت متدينة، ولا أدري إذا كان لذلك علاقة بالربيع العربي وبالصعود المدوي للإخوان والسلفيين في أكثر من مكان، أم أن المسألة هي محض صدفة. المشكلة أني وجدت صغيرتي تعبد الله باللغة الفرنسية، تردد طوال اليوم بقليل من الخشوع نشيدا بلسان العجم النصارى، والأخطر أنها ترقص وهي تكرر دعاءها الناطق بلغة موليير، رغم أن النشيد يتطلب قدرا من الاتزان لا تتوفر عليه ابنتي بشقاوتها وشيطنتها الجميلة مثل أية طفلة في مثل سنها. وحين سألتها عن مصدر هذا النشيد الذي يعلم ابنتي التربية الدينية بالفرنسية وكيف حفظته عن ظهر قلب، قالت لي دون تردد إنها معلمتها في المدرسة. تدرس صغيرتي في مدرسة خاصة، تعطي الأفضلية للفرنسية في التعليم، ومثل كل هذه المدارس أصبحت العربية لغة تكميلية ينفر منها الصغار وتظهر لهم مثل طلاسم من الصعب فك رموزها، ويفضلون لو يتم إعفاؤهم من تعلمها، لأن ألعابهم الإلكترونية لا تتكلم بها ولأن رسومهم المتحركة لا تنطق بها. المثير في القصة أن صغيرتي أخبرتني أن المعلمة أنذرتها أنها إن كذبت، بالفرنسية طبعا، فمصيرها سيكون هو جهنم، وأن الله سيحرقها ويشعل فيها النار، وهو ما يعتبر جريمة تربوية في حق طفلة لم تتهيأ بعد لمثل هذا الدرس السيئ وهذا الكابوس المفزع الذي يلقن لتلاميذ صغار من واجبنا أن نساعدهم على اللعب والتعلم والحب بدل تخويفهم وخلق الفزع في نفوسهم من الله الذي يعذب ويحرق، والأدهى أن ذلك يتم باللغة الفرنسية. مباشرة بعد أن اكتشفت تعلق ابنتي المبكر بالإسلام مترجما إلى الفرنسية، خطر في بالي للتو أن أخبر رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، كي يعلم ما يحدث في مدارسنا، ولكي يقول لي هل يجوز للأطفال أن يعبدوا الله بلغة أجنبية، خصوصا أنه يمتلك تجربة طويلة في تسيير هذا النوع من المدارس. لقد سبق لي ذات يوم أن شاهدت مراهقات معجبات بطارق رمضان، يتجمعن حوله وينظرن إليه بوله كما كانت تفعل البنات مع راغب علامة وهو يغني، فتيات يدخلن أفواجا إلى الإسلام السياسي مفرنسا، كأن العربية هي العائق، وكأن اللغات الأجنبية تخلص الإسلام الأصولي من تطرفه ومن سمعة أنصاره السيئة في العالم، معظمهن يضعن الحجاب والماكياج ولا يتحدثن لغة الضاد، في ما يشبه توجها دينيا جديدا خاصا بنخبة صاعدة هي نتيجة العشرين سنة الماضية من انتشار مدارس التعليم الخصوصي في المغرب وهجر الطبقات الوسطى للتعليم العمومي الذي لا يقصده إلا المضطرون. كان منظر صغيرتي وهي تردد ذلك النشيد مضحكا حقا، لكنه يقدم صورة عن هيمنة الفرنسية وتخلي المغاربة عن العربية، التي صارت مقترنة بتخريج العاطلين عن العمل، وأتخيل أجيالا جديدة ترطن الصلاة بالإنجليزية وتصوم بالفرنسية وتمارس الدعوة بها وتنفذ عمليات إرهابية بلغات أجنبية، وأتخيل أيضا مستقبلا بسلفيين مثل الخواجات وبإسلاميين من مختلف الأطياف يحفظون القرآن الكريم في ترجمة جاك بيرك، ومن دون أدنى شك سيكون ذلك مسليا ومواكبا للموضة !