مرة تسعة أشهر على إنطلاق نضالات 20 فبراير ، إذ عرفت كل محطات الحركة الفعل و رد الفعل بين الحركة و كافة الفاعلين السياسيين و المتحكمين في دواليب السلطة بالوطن. طيلة مراحل المواجهة بزغت أسماء و تنظيمات رسمت خريطة الطريق لإسقاط الفساد والإستبداد وقد كانت هذه الشعارات و الصور متحكما أساسيا و رئيسيا في رسم معالم الوجوه السياسية و التنظيمات التي ستتحكم – بالتفويض – في مستقبل هذا البلد السعيد.
لكن و بلغة السياسة و المنطق من له القدرة التنظيمية و السياسية المتجدرة في أوساط المواطنين البسطاء و عامة الشعب استفاد و بشكل كبير من الديناميكية السياسية ، داخل المؤسسات و خارجها أي أن مطالب الشعوب تتحقق أولا بالإنتماء إليهم عبر سياسة القرب و التأطير .
أمام التجارب التي يبدو أنها لم تقدم الدروس الكافية لبني جلدي هته الدروس خلاصته'' يا حكماء السياسة ليست كل النجاحات و الهزائم مؤامرات تحاك ضدنا '' لقد كان لبزوغ نجم الإسلاميين دافع أقوى، من الدعم الغربي و الإرادة العقائدية للمواطنين المؤمنين بمكارم الأخلاق ، لم تكن انتصاراتهم المستفيدة من هبات الشعوب مبنية على أسس عاطفية مؤطرة بأحاديث و آيات مقدسة .
لقد تمكنت التنظيمات السياسية الإسلامية من تأطير جيل جديد يتمتع بتحصيل علمي و أكاديمي عالي ، لقد تمكنوا من صناعة قيادات ميدانية تتحرك في أسفار مكوكية داخليا و خارجيا لحشد الدعم و تسويق المشروع و استخلاص الدروس و العبر ، لقد إستفادو من أدوات التواصل الاجتماعي و فطنو إلى أن المواجهة ليست بالضرورة لإسقاط رأس النظام بل يمكن ترويضه و ممارسة السلطة معه و بهي، بتفويض شعبي سوءا كان عموديا بالمؤسسات أو أفقيا قويا بالقواعد المجتمعية .
بكل شجاعة أهنأ حزب العدالة و التنمية المغربي على فوزه بالإنتخابات التشريعية.
قد نختلف في تقييم المرحلة مع التأكيد على أن الإنتخابات 25 نونبر 2011 لم تختلف عن سابقتها . نفس الوجوه نفس الأساليب البليدة في إستقطاب الناخبين ، كل البرامج متشابهة تقتات على معاناة المواطن اليومية و تجعل منه ضحية لا فاعلا مطالبا بتغيير وضعيته . و نستغرب كيف يطل علينا إعلاميونا و رجالات و نساء السياسة بل حتى صناع القرار ليقولوا أنهم قطعوا مع ممارسات الماضي.
هنا و بكل وقاحة مشابهة لوقاحتكم أقول هل سقطة شعارات الديمقراطية الحسنية ؟هل تهاوت قلاع الإستثناء المغربي ؟ ألم يكن العهد الجديد من أناشيد الأمس و لعشرة سنين من الحكم ؟ الجديد الوحيد في كل هذا و الذي يجب الإعتراف به هو أن صناديق الإقتراع كيفما كان لونها و شكلها حملت إلى السلطة أنصار '' اللامبة '' و تمكنت خارطة الطريق التي رسمتها 20 فبراير و التي ذكرتها سلفا إلى إسقاط سيناريو كان سيحمل في أسوء الأحوال لا أحسنها الميزان مرة أخرى أو الحمامة لتجود على المغاربة بخلاء بيوتهم كما تقول لنا حكمة الأجداد – تربية الحمام داخل البيت تصيبه بمرض الخلاء بمعناه الداريجي - و تعطل محرك البام أما الوردة فقد ذبلت منذ الثمانينات ، إن ما حققته 20 فبراير ساهم في وصول إسلاميين يؤمنون على حد قولهم باللعبة الديمقراطية ، و يحتكمون إلى صناديق الإقتراع لإختيار من يقودهم ، و انخرطوا في مسلسل إستقطاب طاقات رأس مالية، قانونية و اقتصادية وازنة كانت في الأمس القريب قريبة من محيط القصر، بل صرحوا أن قلاع الفساد و الرشوة ستتهاوى بمجرد و صولهم إلى ( السلطة ) و أن زمن وزارات السيادة قد مات و دفن ، و أن القرارات ستنطلق من المؤسسات دون الحاجة إلى مرورها عبر العلب السوداء المتعددة لهذا الوطن.
قد ساهمت الحركة كذلك في ظهور إعلامي وميداني لإسلاميين آخرين أختلف معهم علانية لعدم وضوح المشروع السياسي ، حملتهم 20 فبراير على أكتاف المواطنين ، وفتحت لهم بغطائها السياسي أبواب الشوارع و البيوت في وقت كانت نضالاتهم تقتصر على الدعوة و الجامعات.
لقد مكنت القدرة التعبوية المحكمة للفصيلين السياسين الإسلاميين و الانضباط التنظيمي والسياسي و تواصل المحكم مع القواعد و محيطه في بزوغ نجمي كل منهما و ليست دائما المؤامرة .
عندا قراءة الجزء الأول خلصت و بكل شجاعة و وقاحة مع الذات إلى :
- إذا كان كل ما يعرقل مشروعنا مؤامرة تحاك دائما ضدنا ، أقول نحن من يصنع المؤامرة و نغذيها بإخفاقاتنا و أساليبنا المخزنية وطرق الإستخباراتية التي نستعملها في تصفية بني جلدنا - إذا كان المخزن و صناع القرار يستخدمون سوط القمع لإسكات صوت الحرية و الديمقراطية ، فإننا نستعمل سوط التخوين لكبح من يقتحم خلوة سيطرتنا الأبدية التي نرفضها لغيرنا و نقبلها على أنفسنا - إذا كانت التنظيمات الإسلامية تستفيد بشكل أكثر عقلانية من الحراك العشريني ، فإننا سنبقى بوقا و غطاءا لهذه المكاسب التي تجنا على أكتاف عقولنا الصغيرة
إذا كانت الأساليب لا تختلف ، في كبح الطاقات المستقلة بالذات و الفعل السياسي . سأعطي الفرصة و أنا في كامل قواي العقلية و بعيد كل البعد عن الإغراء ، إلى من لم يستعل صوت الرصاص طيلة تسعة أشهر لأن المؤامرة يمكن ان تكون لصالحنا.