خلق الله واحة فكيك. خلقها وسط أرض قاحلة. و منحها نخلا. وظلالا. وأناسا يحبونها. و خصها دون غيرها من أرض الله بأغذاق تمر "أزيزة". الذي لا يضاهيه تمر في لذته. وبعد أن اكتملت فكيك. وبعد أن صارت خضراء. أجرى فيها الله ماء. وأوصى الفكيكيين به. ومنذ ذلك الوقت وهم يقتسمونه في ما بينهم. ويبرعون في توزيعه. ويسقون به الجنان. و شجرة الرمان. والبقل الذي يضعونه في الكسكس. ويروون به عماتهم النخلات. وقد كان ماء فكيك منذ اليوم الأول للفكيكيين. كان للقصور السبعة. كان للجميع. كان قليلا. لكنه كان يكفيهم. وكانوا يحرصون عليه. ويصنعون له السواقي. والقنوات. ويحمونه. مثل ما يحمي الفكيكي أرضه. وذاكرته. ولغته. وثقافته. وتقاليده. كان الماء لهم. كان هبة الله للفكيكيين. في هذه الواحة. ويعود الفكيكي من فرنسا ليشرب ماء فكيك. يعود من الدارالبيضاء. ومن الرباط. ومن مكناس... يعود من كل مكان إلى نفس الماء. ولأني واحد منهم. ولأني فكيكي. فقد كنت أستغرب دائما يقينهم أن فكيك أجمل مكان في الأرض. كنت أعتبر أنهم يبالغون في حب واحتهم. كنت أقول ليس إلى هذا الحد. ولا أسايرهم. وربما لأني لم أولد هناك. ولم أشرب من نفس الماء. ربما لهذا كان يبدو لي أنهم يسرفون في حبهم لفكيك. وفي ارتباطهم بها. ربما لم أكن أفهم علاقتهم بالماء. و ربما لهذا السبب خرجت نساء فكيك للاحتجاج . بملابسهن البيضاء. ضد تفويت ماء فكيك لشركة خاصة. لأنهن يعرفن هذا الماء. ولأنه لهن. ولأنه عشن به. ولأن الله حين خلق فكيك. أوصى أهلها بعدم تفويته لأي أحد. ولأن فكيك ستفقد هويتها لو تصرف في مائها الغريب. الذي يجهل كل شيء عن ثقافة الناس. وعن علاقتهم بمائهم. وبأرضهم. وتاريخهم. ولأنهم كانوا منذ البداية يوزعون الماء في ما بينهم بالعدل. عبر قنوات. وعبر نظام ري فريد بشهادة العالم. حيث يحصل الشخص على حصته ولو كان غائبا عن حقله. ولو كان مسافرا. ولو كان مهاجرا إلى الخارج. وحين يعود يجد نفس الماء يسقي نخله. وبستانه. في عملية لم تتوقف منذ مئات السنين. وفي جو عائلي. يجري فيه الماء بين القصور السبعة. ويلطف الخلافات. أما حين ظهر الغريب أما حين صوتت جماعة فكيك لصالح قرار تفويت الماء. فإن الفكيكي استشعر الخطر. وأن واحته صارت مهددة. في تاريخها. وفي عاداتها. وفي ثقافتها. و لذلك. ومنذ أكثر من ثلاثة أشهر ونساء فكيك لا يتوقفن عن الاحتجاج وعن الخروج في المسيرات ناصعات البياض. وبعضهن فوق دراجاتهن الهوائية. بشخصياتهن القوية. بينما الرجال منشغلون بإعداد أطباق الكسكس. وسقيها ب"الروى". ولن يعدن إلى بيوتهن. ولن يتراجعن. حتى يفهم الباشا. والسلطة. و منتخبو الواحة. والشركة التي تريد أن تخوصص ماء فكيك. أن للواحة خصوصيتها و لأهلها أنفة وعزة نفس ومن الظلم ومن سوء التقدير. ومن الشطط. إرغامهم على شيء لا يرغبون فيه. قد يؤثر على نمط عيشهم المتوارث. وعلى عاداتهم وعلى ما نجحوا فيه منذ مئات السنين. وذلك في مكان بعيد عن المركز. وعن المدن الكبرى ولا يتعدى عد سكانه 12 ألف نسمة. ثم يأتي منتخبون يفترض أنهم من فكيك ومن قصورها ويصوتون لقرار ضد فكيك وضد شقيقاتهم وبناتهم وأمهاتهم. اللواتي يخرجن كل يوم للاحتجاج. تشبثا بماء فكيك الذي منحه لهن الله وأجراه في الينابيع. وفي الجنان. وفي جذع النخلة. وفي تمر أزيزة. ومن هذا الماء أتت تلك اللذة ومنه نخوة الفكيكي. ومنه نساء فكيك. ولون نضالهن الأبيض. السلمي. المتميز.