إن نجاح ربع الساعة الأخيرة من الانتقال الديمقراطي التي سرع وتيرتها الحراك السياسي والاجتماعي الحالي تقتضي فيما تقتضيه احترام مجموعة من الشروط العامة للنجاح، من بينها:1- وضع الإعلام العمومي في خدمة الديمقراطية، لأنه رغم الانفتاح الذي بدأ يعرفه الإعلام العمومي، خصوصا القطاع المرئي، نجد أنه لازال قاصرا عن استيعاب دقة المرحلة ولازال يجتر عقلية الماضي المتخلفة في معالجة الإشكالات السياسية والاقتصادية الكبرى خاصة في مواكبة دينامية مراجعة الدستور. إنه إعلام غير متطور بكل المقاييس التقنية والتحريرية والبشرية، ولا يدافع حتى عن المؤسسات التي يتصور أنه أحد أدواتها في تأطير المشهد السياسي، إعلام لازال رهين الستينيات في الترويج للرأي الواحد ذي الاتجاه الواحد الذي لا يمكن إلا أن يقود إلى إعادة إنتاج الرداءة والانتكاسات.2- احترام قواعد اللعبة في حراك الشارع العام ومنها شكلية طلب الترخيص عندما يتعلق الأمر بمسيرات ،لأنه من متطلبات دولة المستقبل، إعمال سيادة القانون ولا شيء غير القانون. والقانون الحالي للحريات العامة على علاته يبقى هو المرجع إلى حين اعتماد قانون حريات جديد يتبث ما هو متراكم حاليا في الساحة من تنظيم وقفات بدون رخصة ولكن بإشعارفقط للسلطة الإدارية. لأنه إذا كان الحراك السياسي الحالي يقفز على هذه الشكليات فيجب أن يكون الأمر من باب الاستثناء لأنه لا توجد في المعمورديمقراطية تسمح بالمطلق للديمقراطي أو غير الديمقراطي بالاشتغال وملء الفضاء العام بدون قيد أوشرط، وإلا فإننا في ديمقراطية المستقبل سنكون مطالبين أن نخصص خارج المدن وبعيدا عن السكان والمرافق الترفيهية والتجارية فضاء للحق المطلق مكون من كيلومترات وساحات معبدة لكي نمارس فضيلة الاحتجاج بالمطلق الذي لا ينتهي. ديمقراطية الاحتجاج هي مدخل لديمقراطية الإصلاح الآتي، فوزير داخلية ما بعد 2012 وكيفما كان انتماؤه السياسي والحقوقي، حتى وإن استوردناه من ديمقراطيي بريطانيا، فإنه لن يستطيع تدبير مجال الحريات العامة خارج النصوص القانونية،لأننا نسعى جميعا لتأسيس ديمقراطية لا قدسية فيها إلا للنص المكتوب الملزم لكل الأطراف محتجة أم مواكبة للاحتجاج تحت إشراف رقابة قضاء إداري مستقل. كثير من الحقوقيين والمحامين هم الآن طرف مكون أو طرف مساند لحركة 20 فبراير، وقد يكون غدا أحدهم وزيرا للداخلية أو رئيسا تسلسليا للنيابة العامة. لذا فهم مطالبون قبل غيرهم بترسيخ ثقافة سيادة القانون لأنها المرجع الأول والأخيرللاشتغال السليم للمؤسسات الديمقراطية. ديمقراطية الغد هي في حاجة ماسة إلى مناخ مستقر باعتبار ميزانية اليوم والغد تعتمد على أربعة موارد رئيسية: الضرائب المباشرة المتأتية من الاستخلاص الجمركي المرشحة للانخفاض بفعل رفع الحواجز الجمركية عام 2012،صادرات الفوسفاط،عائدات السياحة،الضريبة على المقاولات الصناعية والتجارية الكبرى المرتبطة أساسا بالاستثمارات الوطنية والأجنبية. هذا الاستقرار الذي يعتبر الرقم الأصعب في المعادلة هو الذي يفسر تهافت الإعلام الخارجي والبعثات الديبلوماسية الغربية للإجابة على السؤال المحوري: هل المغرب مقبل على حالة عدم الاستقرار؟ والاستقرار هنا ينسحب على ما هو سياسي واجتماعي ليصل إلى ما هو أمني. لأن الحكامة الأمنية الجيدة من توصيات الإنصاف والمصالحة المقبلون على دسترتها، حتى تغيب الزرواطة - وإلى الأبد - من شوارع المغرب وأن يتم سحب البساط - وإلى الأبد- من تحت أقدام دعاة ومنتسبي خيار 13 مارس. عندما يغيب الصراع باسم القانون الذي يتم الفرز فيه بين الديمقراطي وغير الديمقراطي يترك مكانه للصراع المؤسس على المشروعيات التي تغيب فيها بوصلة الحوار وأصول الصراع والاحتكام إلى قانون الغاب. وأشهد أن أصول شباب 20 فبراير هي أصول ديمقراطية ذات إمتدادات شعبية في التاريخ المعاصر، وأتمنى أن تكون هاته الأصول حائط دفاعها الأول والأخير في تحصين دينامية التغيير وأفقها الديمقراطي.3- نظافة يد رجال الغد، قلنا سابقا في هاته الافتتاحية إنه ليس كل من تحرك تحت يافطة 20 فبراير فهو ثوري ونظيف يحمل طهارة 20 فبراير ونبل شبابها ونقاوة معدنهم. وكان صادما لي على هامش الوقفات ومسيرة البيضاء انخراط بعض اللوبيات الانتهازية التي تسعى إلى توظيف 20 فبراير في خدمة نسقها الارتزاقي. ومن بين اللوبيات « صاحب جنوية » يتحصن وراء خطاب يدافع عن الحكامة الجيدة باسم جزارة البيضاء في مواجهة الشركة التي تسير مذابح البيضاء وهو شخص معروف في درب غلف بزنقة الزاوية كأحد أباطرة الذبيحة السرية ومن المدمنين المخلصين على ذبح عجائز البقر« الشقفة »ويشكل نقيضا للمغرب الذي نريد: مغرب الحداثة والتقدم. لا أظن أن شعب 20 فبراير يريد اليوم أو غدا استهلاك اللحوم غير المراقبة من عجائز الأبقار. وإلى جانبه شخص آخر ينتمي للأغلبية المسيرة لمجلس مدينة الدارالبيضاء، لم يحتج يوما عندما كان مرتبطا بآلية الفساد داخل المدينة ولم تبدأ احتجاجاته «السياسية » إلا بعد ما أقفلت عليه الأبواب في تبوء مسِؤولية تسيير قطاع «مدرللدخل»، معروف في البيضاء كموظف جماعي دخل الوظيفة العمومية بإحدى جماعات ضاحية البيضاء بالسلم العاشر عام 1997. ومن يوم دخوله عالم الشغل لم يعط ولو يوم واحد خدمة للمغرب مقابل الأجر الذي يقبضه كل شهر، والترقيات التي حصل عليها على مدى 14 عاما التي كان يقضي معظمها في التعاطي لهواية البحث عن « الهمزات المدرة للدخل ». إنهم ليسوا نماذج الحكامة الجيدة و نماذج لرجال الغد التي تصدح الحناجر من أجله في ساحتي الحمام ونيفادا. رقمان خارج الحساب وخارج سياق الزمن الإصلاحي الذي نعيشه الذي يؤسس لدك الفساد أينما كان وفي كل المواقع تأسيسا لمغرب الديمقراطية والحداثة والتقدم الذي يريد للشعب. فليبتعدوا عن 20 فبراير، لأن الغد ليس لهم..