عندما رمى احمد الميداوي بقنبلته حول تقرير سنة2010، كان قد اعطى، شعوريا أو لا شعوريا نكهة خاصة إلى النقاش الدائر حاليا في البرلمان، وفي لجنة العدل والتشريع والقوانين وغير ذلك من الترسانات الضرورية لبناء التأويل الجديد للدستور. لقد جاء التقرير لكي يكشف لنا أولا، أن المؤسسات التي يطالها النقد والتحليل والتشريح، هي التي يراد لها أن تكون استراتيجية. يراد لها، لأن مشروع القانون المقدم من طرف الحكومة يعتبر بأن المغرب فيه أزيد من 30 مؤسسة استراتيجية. السؤال الأول، ليس في التعريف بما هواستراتيجي .. وما هو استراتيجيبي!
قد نتفق على أن لارام مقاولة استراتيجية، لأنها تهم قطاع النقل الجوي، ولكن لا يمكن أن نسمع من بعد أنها لا تتوفر على الاموال لأنها سمحت في أموالها في فترة من الفترات. وفي لحظة تسيير سابقة. وقد نتفق أيضا على أن صندوق الإيداع والتدبير يستحق أن يكون مؤسسة استراتيجية، لكن ما معنى استراتيجية عندما يكون صندوق التضامن الاجتماعي صندوقا تعشش فيه الخروقات، ما معنى أن يكون الصندوق الوطني للكهرباء والماء الشروب، مكتبا تتوالى فيه الاختلالات وتتناسل فيه التجاوزات والنواقص ، بلغة من يريد التخفيف حتى لا يقول الشبهات؟
هناك »سؤال يطرح نفسه: هل اصبحت صفة الاستراتيجي لصيقة بكل ما هو قابل للاختراق والتشويه وفسح مجالات الاغتناء؟ هل الاستراتيجي يعني كل ما هو غطاء إداري وسياسي لكي يكون القطاع المعني بعيدا عن يد المراقبة والتوجه ضد إرادة رئيس الدولة وملك البلاد ؟ هل الاستراتيجي سيسوغ رفع اليد عن متابعة ما سبق؟
إن السؤال الذي يسند مثل هذا القلق هو من صميم الاستنتاج بعد قراءة ما قدمه الناطق الرسمي للحكومة كجواب على ما بعد إعلان التقارير، وهو الجواب الذي تضمن ما يلي:» كل وزير سيدرس الملاحظات الواردة في تقرير المجلس الأعلى للحسابات التي تهم قطاعه وإعمالها من أجل حكامة جيدة في التدبير اليومي للمرفق العمومي«، والحال كيف يتسنى له ذلك إذا لم تكن له سلطة التعيين وسلطة التقرير في التدبير الاساسي؟ سنكون أمام مفارقة حقيقية في هذه الحالة. هل يعني ان المشروع التنظيمي الخاص بالمؤسسات الاستراتيجية، والذي قدمته الحكومة بعد ان صادقت عليه في مجلسها في بداية فبراير، هل هذا القانون قادر على أن يعطي الوزراء فعلا القدرة على مواجهة الفساد المالي في المؤسسات؟ هو سؤال قد نميل إلى استبعاد الجواب عنه بالإيجاب، نظرا للموقف، الذي قارب التشنج من طرف رئاسة الحكومة، عمدا دافعت المعارضة وقيادتها عن ضرورة توسيع دائرة القرار لدى هذه الرئاسة؟
إننا ولا شك في مرحلة حاسمة في تنزيل أو تطبيق الدستور، واعطاء صورة للمغاربة تفيد بأنه قادر على حل مشكلات التدبير السيء والفساد والزبونية ولوبيات التقرير وغير ذلك من أمراض اقتصاد الريع والتسيير المشبوه.
لقد تعثرت المؤسسات المعتبرة استراتيجية، الى حدود التسعينيات، عندما انفتح التناوب على تاريخ جديد، لم يكن صدفة أنه بدأ من لجن تقصي الحقائق في ملفات رهيبة،منها القرض العقاري والسياحي، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والقرض الفلاحي، وغيرها من المؤسسات التي ذهب بعض مسؤوليها الى السجن لأجل قانوني. وكان على فترة التناوب كلها أن تعيد الاشياء الى نصابها ، بعد ذلك ومعالجة الامر بما يرفع من مردودية هذه المؤسسات التي تعتبر كلها استراتيجية، واليوم مطروح أن نعيد السؤال كيف انها تعود في كثير من مظاهر التسيير الى ما قبل هذا الارتقاء؟
وكيف يمكن أن نعالج الأمر، سياسيا ومؤسساتيا كما لو أننا في دستور 1996؟ ان الحكم الرشيد هو الذي يغتنم ما تقدمه اللحظة التاريخية لكي يسير في اتجاهها، وأن يبادر الى تخصيب التاريخ نفسه بما استطاعت مكونات الامة النجاح فيه. فالدستور الحالي هو لحظة متقدمة في تاريخ بلادنا ولا يمكن أن تستعمل وسائل دستورية (البرلمان واللجن والنقاش العمومي) من أجل تخفيض مستوى احتمالات التطور فيه!! لقد كان محمد اليازغي على حق وهو يقول إن الدستور الجديد يريد توسيع اختصاصاته الحكومية وأن ملك البلاد نفسه هو الذي تقدم بالاصلاح الدستوري الى الامة في سياق معروف ومفتوح الآفاق. ولا بد بالفعل من أن تقرر الحكومة ما هو الاستراتيجي وعلى أي أساس، ونخرج من هذا الخضم من الاشكالات التي يثيرها الأمر الآن.. ينشر عمود "كسر الخاطر" في "كود" باتفاق مع رئيس التحرير عبد الحميد لجماهري