شنّت إسرائيل السبت عمليات قصف إضافية على غزة مع تأكيدها مواصلة الحرب ضد حركة حماس بعيد صدور قرار من مجلس الأمن الدولي يدعو الى زيادة كبيرة وفورية في المساعدات الإنسانية للقطاع المحاصر. وبعد خمسة أيام من المفاوضات، طالب المجلس الذي يواجه انتقادات لفشله في اتخاذ أي خطوة ملموسة حيال الحرب التي اندلعت قبل أكثر من شهرين، في قرار الجمعة بزيادة "واسعة النطاق" للمساعدات دون الدعوة إلى وقف لإطلاق النار ترفضه واشنطن حليفة إسرائيل. وأعلنت وزارة الصحة التابعة لحماس صباح السبت مقتل 18 شخصا في قصف إسرائيلي على منزل في مخيم النصيرات وسط القطاع "خلال الليلة الماضية". وأكدت أن الجيش الإسرائيلي يواصل "القصف المكثف" لمختلف أنحاء القطاع، مشيرة الى مقتل أكثر من 400 شخص في الساعات الثماني والأربعين الأخيرة. من جهته، أعلن الجيش ليل الجمعة تدمير مجمع أنفاق "استراتيجي" ومقرات لحماس في مدينة غزة بشمال القطاع. يأتي ذلك بعيد صدور قرار مجلس الأمن الرقم 2720 الذي يدعو "كل الأطراف الى إتاحة وتسهيل الإيصال الفوري والآمن ومن دون عوائق لمساعدة إنسانية واسعة النطاق" إلى غزة، واتّخاذ إجراءات "عاجلة" بهذا الصدد و"تهيئة الظروف لوقف مستدام للأعمال القتالية". ويطالب النص أيضا باستخدام "كل طرق الدخول والتنقل المتاحة في كل أنحاء قطاع غزة" لتوصيل الوقود والغذاء والمعدات الطبية إلى القطاع. وصدر القرار بتأييد 13 من الأعضاء وامتناع الولاياتالمتحدة وروسيا. لكن تأثيره على الأرض يبقى موضع تساؤل، اذ أن المساعدات التي تدخل قطاع غزة بكميات محدودة لا تقارن بالحاجات المتعاظمة لسكانه البالغ عددهم 2,4 مليون نسمة نزحت غالبيتهم العظمى في ظل الحرب والدمار الذي طال غالبية مقومات الحياة اليومية. وفي حين أن قرارات المجلس ملزمة، لا يمنع ذلك بعض الدول من عدم احترامها. وفي تعليقه على القرار، أكد وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين أن الدولة العبرية ماضية في هدفها المعلن منذ بدء الحرب، وهو "القضاء" على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تسيطر على القطاع منذ العام 2007. وكتب كوهين على منصة "إكس" أن "إسرائيل ستواصل الحرب في غزة الى حين الإفراج عن كل الرهائن والقضاء على حماس في قطاع غزة". وأكد أن إسرائيل "ستواصل تفتيش كل المساعدة الانسانية الى غزة لأسباب أمنية"، معتبرا أن "قرار مجلس الأمن يشدد على الحاجة لضمان أن تصبح الأممالمتحدة أكثر فعالية في نقل المساعدة الإنسانية وضمان أن المساعدة تبلغ مقصدها ولا تنتهي بين أيدي إرهابيي حماس". "ليس نصا مثاليا" وأثار قرار مجلس الأمن ردودا متفاوتة. وعلقت لانا زكي نسيبة سفيرة الإمارات التي قدمت النص، "نعلم أنه ليس نصا مثاليا، ونعلم أن وقف إطلاق النار وحده هو الذي سيضع حدا للمعاناة"، مضيفة أن النص رغم ذلك "يستجيب عمليا للوضع الإنساني اليائس للشعب الفلسطيني". من جهتها، قالت حماس إنه "خطوة غير كافية، ولا تلبّي متطلبات الحالة الكارثية التي صنعتها آلة الإرهاب العسكري الصهيونية في قطاع غزة". أما السفير الفلسطيني في الأممالمتحدة رياض منصور فوصفه ب"خطوة في الاتجاه الصحيح"، مضيفا "يجب تنفيذه ويجب أن يكون مصحوبا بضغوط هائلة من أجل وقف فوري لإطلاق النار". واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن "وقفا لإطلاق النار لأسباب إنسانية هو السبيل الوحيد لتلبية الحاجات الماسة للسكان في غزة ووضع حد لكابوسهم المستمر". وفي حين أكد أنه "كان يأمل" بالمزيد من المجلس، اعتبر أن "المشكلة الحقيقية" أمام إيصال المساعدات الى غزة هي "الهجوم" الإسرائيلي. وتغيّر نص القرار عن الصيغة التي كانت الامارات طرحتها، خشية استخدام واشنطن مجددا حق النقض (الفيتو). وأزيلت الإشارة إلى "وقف عاجل ودائم للأعمال العدائية"، ومثلها الدعوة الى "تعليق عاجل للأعمال العدائية". وطلبت موسكو طلب تعديل لإعادة إدراج الدعوة إلى "تعليق عاجل للأعمال العدائية"، عارضته واشنطن. وندّد السفير الروسي فاسيلي نيبينزيا ب"الابتزاز" الأميركي في المجلس. وهي المرة الثانية ينجح المجلس بإصدار قرار بعدما دعا في 15 تشرين الثاني/نوفمبر إلى "هدن إنسانية". ورُفضت خمسة نصوص أخرى خلال شهرين، من بينها اثنان بسبب الفيتو الأميركي، آخرهما في 8 كانون الأول/ديسمبر إزاء دعوة إلى "وقف إطلاق نار إنساني". وأكدت السفيرة الأميركية ليندا توماس غرينفيلد الجمعة أن "الأمر استغرق أياماً وليالي طويلة من المفاوضات لوضع الأمور في نصابها الصحيح، لكن اليوم، يقدم هذا المجلس بصيص أمل في محيط من المعاناة التي تفوق التصور". وضع صحي "كارثي" ويقترح القرار نظاما تحت رعاية "منسّق" أممي مسؤول عن "تسريع" عملية التسليم من خلال "التشاور" مع الأطراف، ما يعني أن إسرائيل ستحتفظ بالإشراف التشغيلي على توصيل المساعدات. وغابت من النصّ إدانة أو حتى ذكر اسم حماس، وهو ما انتقدته إسرائيل والولاياتالمتحدة. ودان القرار "كل أعمال الإرهاب" وكذلك "كل الهجمات ضد المدنيين"، وطالب بالإفراج "غير المشروط" عن جميع الرهائن. وتوعدت إسرائيل ب"القضاء" على حماس ردا على على الهجوم غير المسبوق الذي نفذته الحركة على أراضيها في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وأدى إلى مقتل نحو 1140 شخصا غالبيتهم من المدنيين، بحسب تعداد أعدته وكالة فرانس برس استنادا إلى الحصيلة الإسرائيلية. كما احتجز مقاتلو حماس وفصائل أخرى نحو 250 رهينة، ما زال 129 منهم محتجزين في غزة، بحسب إسرائيل. وخلفت العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة حتى الآن 20057 قتيلا، معظمهم من النساء والأطفال، وأكثر من 50 ألف جريح، وفق أحدث حصيلة لحكومة حماس. وأدت الحرب الى دمار واسع في غزة، وأحالت أحياء بكاملها ركاما. كما بلغ الوضع الانساني مستويات كارثية بعدما شددت إسرائيل حصارها على القطاع بعيد اندلاع الحرب، وقطعت امدادات المياه والكهرباء والوقود والمواد الغذائية. ورغم السماح بدخول قوافل إغاثية، تؤكد منظمات دولية أن هذه الكميات تبقى أدنى بكثير من حاجات السكان. وعلى مدى الأسابيع الماضية، كانت المساعدات الانسانية تدخل حصرا عبر معبر رفح الحدودي مع مصر. وفي الآونة الأخيرة، أعلنت إسرائيل فتح معبر كرم أبو سالم بين أراضيها والقطاع بشكل "موقت". وتقوم الدولة العبرية بتفتيش كل المساعدات قبل أن تجيز إدخالها. ويواجه نصف مليون شخص، أي قرابة ربع السكان، خطر الجوع بحسب تقرير صادر هذا الأسبوع عن برنامج أممي يرصد مستويات الجوع في العالم. وفي الأسابيع الستة المقبلة، قد يجد جميع سكان القطاع البالغ عددهم 2,4 مليون نسمة، أنفسهم في الوضع نفسه. الى ذلك، فإن تسعة فقط من مستشفيات غزة البالغ عددها 36 لا تزال تعمل جزئيا، وفق منظمة الصحة العالمية. وقال المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبرييسوس مساء الجمعة عبر منصة إكس "الجوع موجود، والمجاعة تقترب في غزة. السكان يتضورون جوعا ويبيعون أغراضهم مقابل الغذاء"، مضيفا "الآباء يحرمون أنفسهم حتى يتمكن أطفالهم من تناول الطعام، وهو أمر كارثي على الحالة الصحية للسكان في كل أنحاء قطاع غزة". توترات إقليمية وتتواصل جهود الوسطاء المصريين والقطريين لمحاولة التوصل إلى هدنة جديدة بين إسرائيل وحماس. وكانت هدنة أولى استمرت أسبوعا في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر أتاحت الإفراج عن 105 رهائن و240 أسيرا فلسطينيا وإدخال المزيد من المساعدات إلى القطاع. لكن مواقف طرفي النزاع تبدو متباعدة: فحماس تطالب بوقف العمليات قبل أي مفاوضات بشأن الرهائن، في حين تبدي إسرائيل استعدادا للهدنة لكنها ترفض وقف النار قبل "القضاء" على الحركة. وتثير الحرب توترات إقليمية وخشية من اتساع نطاق النزاع، خصوصا في البحر الأحمر حيث يشن المتمردون الحوثيون في اليمن هجمات على سفن يقولون إنها مرتبطة بإسرائيل، أو على الحدود بين الدولة العبرية ولبنان حيث تتبادل إسرائيل وحزب الله القصف بشكل يومي. وتدعم إيران، العدو الإقليمي اللدود لإسرائيل، الحوثيين وحزب الله. واتهمت واشطن طهران الجمعة بالضلوع في الهجمات التي يشنها الحوثيون من اليمن "نصرة للشعب الفلسطيني". وقال البيت الأبيض إن طهران زودت الحوثيين طائرات مسيّرة وصواريخ ومعلومات استخباراتية تكتيكية. وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي أدريان واتسون "نعلم أن إيران ضالعة بشدة في التخطيط للعمليات ضد سفن تجارية في البحر الأحمر". ومع تعطل حركة الملاحة التجارية في البحر الأحمر، أعلنت الولاياتالمتحدة أخيرا تشكيل قوة بحرية متعددة الجنسيات تضم أكثر من 20 دولة لحماية السفن.