من الغرائب أنه مازال يعيش بين ظهرانينا في هذه الأرض من يدافع عن الاستبداد ويبحث عن التبريرات لإيجاد الأعذار لسفك الدماء. ومن بين هؤلاء من هلل لمصير الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك وتشفى فيه، إلا أنه لا ينبس الآن ببنت شفة بخصوص المجازر التي يرتكبها نظام بشار الأسد كل يوم في حق شعبه، رغم أن الأول يبدو وبالمقارنة مع حاكم سوريا حملا وديعا، ولولا الخجل لمدحوا أيضا ملك الملوك العقيد معمر القذافي، باعتباره هو الآخر رمزا من رموز الممانعة ومواجهة العدو الصهيوني والإمبريالية العالمية إلى آخر اللازمة إياها.
النموذج الأبرز على هذه العينة من المناضلين في المغرب، هو السيد خالد السفياني، الرئيس السابق للمؤتمر القومي العربي، والذي لا يتردد في التعبير عن دعمه للنظام السوري الدموي، بدعوى مضحكة تقول إنه آخر قلاع المقاومة والممانعة، وهو يعرف قبل غيره أن البعث في سوريا لم يقاوم يوما إلا شعبه، بفرضه لآلة جهنمية قمعية رهيبة، حيث لا أحزاب إلا أحزاب الدولة، ولا صحافة إلا صحافة الدولة، وكل من فكر في إبداء رأي يكون مصيره السجن والتعذيب.
والسفياني قبل غيره يعرف أن نظام البعث في سوريا لم يدعم يوما الشعب الفلسطيني إلا من منطلق استغلاله لقضيته، ضدا على موقف منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تدافع عن القرار الوطني المستقل وضدا على ياسر عرفات الذي لم يقبل أن يكون تابعا لحافظ الأسد، حيث عمل النظام على خلق بذور الفتنة بين الفلسطينيين ووظف أجهزته ومخابراته التي شغلت عملاء لها وإرهابيين لاغتيال قيادات فلسطينية. سوريا الممانعة التي لم تطلق رصاصة واحدة لتحرير الجولان، هي الآن تقتل شعبها بدم بارد، في مجازر تتفوق أحيانا على ما يقوم به الإسرائيليون، وتجد للأسف من يدافع عنها هنا في المغرب، في وقت لم يعد فيه أحد يراسل الجنرال.
دعوى أخرى يبرر بها القوميون العرب في المغرب دفاعهم عن هذه الأنظمة القمعية التي تلفظ أنفاسها الأخيرة، وتتعلق برفضهم للتدخل الأجنبي، عازفين على هذا الوتر الحساس لإقناع الناس بأن هناك مؤامرة امبريالية وصهيونية للنيل من سوريا أو ليبيا وقبلهما العراق.
والمتتبع لما يحدث في ليبيا، يعرف أن القذافي كان سيبقى جاثما على صدور الليبيين هو وعائلته، لولا الدعم الذي قدمه الغرب والحلف الأطلسي، وأن مجزرة رهيبة كانت ستحدث وكان سيسقط قتلى بالجملة ضحية رئيس مجنون لا يتورع لحظة في قصف كل من يقف في وجه عتهه.
ما لا يريد أن يقتنع به السفياني والقومجيون العرب هو أن الديمقراطية والحرية هي شرط ضروري في الداخل، وأنه لا يوجد نظام يحتقر ويقتل أبناء شعبه يمكنه مواجهة عدو خارجي، وأن العالم الآن لم يعد يقبل بتواجد أنظمة مستبدة تهين شعوبها وتوقف عجلة التاريخ بداعي مبررات لم يعد يصدقها إلا المستفيدون منها.
القذافي يلفظ أنفاسه الأخيرة، ومسلسل الدم مستمر في سوريا، والذين يبررون جرائم هذين النظامين، تحوم حولهم الآن شكوك كثيرة، ومن الصعب عليهم أن يقنعوا الرأي العام بوجاهة مواقفهم التي تقف في صف القتلة.
نشر في الشروق ويعاد نشره في "كود" باتفاق مع الكاتب