الكل في المغرب يتفق على الأمر ذاته: حركة 20 فبراير فقدت وهجها وبريقها في كل المدن المغربية باستثناء طنجة. المدينة الشمالية التي يطلق عليها الإعلام الرسمي "عروس البوغاز" دون سبب واضح تبدو هي المدينة المغربية الأكثر إصرارا على رفع شعارات التغيير، ويظهر شكلها باتعتبارهاالأكر جذرية والأكثر ثورية والأكثر استجبة لكل المطالب حتى تلك التي لايستطيع إعلامنا الحديث عنها أو يتردد طويلا قبل أن يغلفها بكلمات مموهة لتفادي الوقع الصارخ لها على الآذان. علاش طنجة؟ لابد من طرح هذا السؤال، ولابد من العثور على بداية جواب له. المدينة الشمالية المسكينة ليست في نهاية المطاف لا أكثر ثورية من المدن المغربية الأخرى، ولا أكثر تطرفا أو جذرية، وليست معقلا من معاقل العدل والإحسان مثلما قد يقول القائل الباحث ن التفسير السهل والبسيط للأشياء. طنجة هي مختبر تجارب لكل ما أراد العديدون فعله للمغرب، وحين فشلت كل هذه التجارب، بقيت طنجة لمآلها الحزين، وبقي أبناؤها يرقبون موقعهم في مكان هو بين الجنة وبين النار. في الصباح يفتحون الأعين بتثاقل الشماليين الشهير وبكسلهم المشهور والطريف حيث يبدأ اليوم عندهم في الثانية عشر زوالا لاقبل ذلك، ويبحثون عن شيء يفعلونه سوى الذهاب إلى سور المعاكيز والتأمل في القارة العجوز التي تبدو لهم نكاية بهم يوميا على مرمى طرفة عين. يعرفون أن التوجه إليها مستحيل، ويتداولون فيما بينهم قصص الأقارب والأصدقء ممن عبروا يوما فوجدوا أنفسهم في حال غير الحال. في طنجة تبدو المصانع القاتلة لآدمية أهلها والساكنين فيها ممن يزورون أسرهم من الليل إلى الليل قبل أن يعودوا في الصباح الباكر هذه المرة لكي يدخلوا سجون المصانع، ويحفروا بأيديهم في صخر الثروات التي يصنعونها لعدد كبير من محدثي النعمة ممن لايعرفون الفرق نهائيا بن الإنسان وبين الحيوان، وممن يعتبرون أن المغربي الفقير خلقه الله لسبب واحد ووحيد: أن يشتغل في المصنع حتى يموت مقاب بضعة دريهمات لاتفعل شيئا ومن المخججل حتى ذكر رقمها بالتحديد تفاديا لسخرية كل مايحيط بالإنسان. في طنجة يترنح الليل على الليل، ويمنحك سكون المدينة الخادع القدرة على الاقتراب من الحفر العديدة الساكنة فيها. هناك تجد المغرب كله عبارة عن أجساد لصبايا هاربات من الشبح الأكبر الذي يخيف كل المغاربة : الفقر. تسألهن "من أين؟" فيرسمن لك خارطة الوطن كله "من طنجة حتى للكويرة". يحكين لك بعد أن تنتهي منهن أو ينتهين هن منك الأساطير اللاتنتهي عن الأب الذي ما وعن الأم التي تزوجت وعن الإخوة الذين ينتظرون زيارات رمضان والعيد، وعن الأبناء الصغار الذين جاؤوا في غفلة بين حكايات الحب الفاشلة، وقصص الزيجات المستعصية على التصديق. لكل واححدة منهن حكاية تشبه الحكاية التي ترويها الأخرى. ولهن جميع نفس الملمح الحزين بعيدا عن مساحيق التجميل الرخيصة التي يمتلى بها "كزاباراطا" أو سوق الدال أو غيرهما من الأحياء المصنوعة خصيصا للفقراء. في طنجة هناك ميناء. وتحت الميناء أجساد عابرة من الجنس الذكوري هذه المرة هي الأخرى تمارس دعارتها بطريقتها الخاصة عبر بيع الروح لأول قارب يمنحها وهم العبور إلى الفردوس المفقود. إذ أنسى في حياتي كل شيء لن أنسى روبرتاجا هناك في الميناء منذ سنوات بعيدة الآن، آخرج لي من قمقمم المفاجآت الشيء الكثير وفاجأني بصغير لايتعدى سنه الرابعة عشرة يخرج من تحت حاوية متوقفة يسألني سيجارة ويحكي لي أنه يكذب على والدته منذ سنوات وهو يوهمها أنه وصل إلى إسبانيا التي لم يستطيع دخولها بعد أن أعادته شرطتها أربع مرات إلى المغرب. سألته "واش ماخايفش تموت؟" أجابني ببداهة قاتلة "ولعاه أنا حي بعدا؟" في طنجة هناك المليارديرات الكبار. رائحة "الغبرة" تملآ المكان. السير الذاتية المستفزة لمن انطلقوا من صفر الصفر وأصبحوا اليوم العلامات الأبرز للمدينة اعتمادا على المنتوج السحري الوحيد القادر على فعل هذا الأمر: الحشيش، هي قصص يعرفها الصغير قبل لكبير. ومعالم البذخ غير المقبول في مدينة مؤسسة على فقر آهلها هي معالم تقول كل شيء لمن كان قدرا على التقاط بعض التفاصيل،، وانتظار نائجها الخطيرة في يوم من الأيام طنجة أخيرا هي ذلك لحلم الوردي الذي كان ذات يوم، عن مدينة دولية دق أبناؤها الأصليون ناقوس الخطر قبل الزمن بكثير. كنت تسمع في كلام العائلات الطنجاوية العريقة كثير الشكوى من فتح المجال لهجرة بواد غير مفكر فيها، وكنت تسمع عن بدء نزوح "طنجاوة" الحقيقيين من مدينتهم التي أصبحت خرابا مستباحا ولم يفكر فيها أي منا بطريقة عاقلة لكي لاتكون ماهي عليه اليوم. لكن أحدا لم يسمع كل الاستغاثات. واليوم وطنجة تبدو "الأكثر ثورية والأكثر جذرية والأكثر تطرفاّ". لاأستطيع إلا أن أراها من بين المدن الأكثر تضررا والأكثر نسيانا فقط لاغير، وأسمع من ثنايا الشعارات الغاضبة صوتا خافتا يلوم المغرب لأنه نسي المدينة التي كان يلقبها إعلامه الرسمي الكاذب ب"عروس البوغاز"، وتركها لكي تتحول إلى ماهي عليه الآن. صافي وبلا قوة الفلسفة ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق أهم من تاريخ الانتخابات ومن العتبة والوصول إليها ومن اللائحة الوطنية للأطر والأخرى للنساء والثالثة للشباب, هناك أزمة اقتصادية عالمية تطل من كل مكان علينا وعلى كل من يشاركنا الوجود اليوم على سطح هذه الأرض. ماذا أعدت أحزابنا لمواجهة الأيام الصعبة التي ستواجه المغاربة مثلما ستواجه كل سكان هذه الأرض؟ لاشيء. أحزابنا لاتهتم بهذه الأمور التافهة. أحزابنا تهتم بالنتخابات وبلا شيء غير الانتخابات, لذلك يبدو مشهدنا ونحن نحاول دفعها للاهتمام بما يؤثر فعلا على حياة الناس, مشهدا "عبيطا" للغاية, لأنه يدل على أننا لانعرف هذه الأحزاب و"صافي