يبدو أن الحجارة الجميلة التي تسقط في بركة الله هذه الأيام أخرجت بعض القنافذ من جحورها. الآن , عندما نقول بصوت عال أيها المغاربة، إفطروا علانية في رمضان . أيها الإنسان , فلتخرج من كهوف القرون الوسطى , لأن الشمس مدهشة وفاتنة.... وليس في نيتنا أن نجرح مشاعر الإسلاميين بتلك السيجارة التي سنشعلها في العاشرة صباحا من كل يوم رمضاني . كل ما نصبو إليه بكل بساطة هو بناء ثقافة جديدة على أنقاض فكر ساد لأكثر من أربعة عشر قرنا من الآلام.
كنت أفضل أن أفتح باب النقاش الديني حول رمضان الذي أصبح من أكبر ركائز الإسلام بواسطة معاوية بن أبي سفيان، أوالدردشة قليلا عن ديانات وثقافات شبه الجزيرة العربية التي انتقلت إلى الإيديولوجية الإسلامية راسمة بذلك ملامح الدين المحمدي . الأمر ذاته , كنت أرغب في مناقشة بعض الأفكار المتعلقة برمضان صحيا واجتماعيا ونفسيا .. حيث تعشعش الخرافات والأوهام القادمة من مجتمعات الرعي البدائية . لكن المقام هنا , لا يسمح بذلك . إذ , سأقتصر على المسألة السياسية للدعوة لإفطار رمضان.
إن الحديث عن الإفطار العلني في رمضان داخل المغرب ليس نزوة عابرة، بل هو مشروع مجتمعي يطرح نفسه كضرورة ملحة وعاجلة من أجل إنقاذ البلاد من براثين الرجعية والظلام. ولا تقتصر المسألة على رمضان وحسب , بل تتعداها إلى مجموعة من النقاط السوداء التي تجثم على أنفاسنا وتمنعنا من استنشاق عطر الحرية، منها على سبيل المثال : تحرير المرأة وكسر أصنام الطابوهات والمؤسسات الرجعية... وعلمانية المغرب وحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا بدون أكذوبة الخصوصية الثقافية المحلية ...وغيرها من المواضيع.
عندما ندعو إلى إفطار علني في رمضان، نحن نسعى إلى تأسيس ثقافة جديدة تحترم الآخر كيفما كان دينه أو معتقداته. إذا كان المسلمون يخافون على إيمانهم برؤيتهم لشخص لا يصوم , فهذا أمر يستدعي منهم إعادة النقد والتفكيك لدينهم الإسلامي جملة وتفصيلا. نحن لا نفرض على المغاربة المسلمين إفطار رمضان، بل نطلب من الصائمين أن يقبلوا الآخرين فقط . ففي الجوهر، نحن نوجد في نقطة دفاع عن النفس بدعوتنا للإفطار العلني وليس في موقع هجوم.
الديموقراطية ثقافة شمولية، لا يمكن للإسلاميين والمطبلين والمزمرين لهم بأن ينتقوا منها ما يستهويهم ويتركوا ما لا يتماشى ومصالحهم. إن بعض الأطياف المحسوبة على الخط الحداثي سهوا، التي غيرت من قناعاتها الفكرية بخصوص علمانية المغرب والحرية الدينية في إطار تحالف ضيق للنهج الديموقراطي الماركسي مع جماعة عبد السلام ياسين تحت عنوان عشرين فبراير مثالا لا تخلو من إحتمالين
الاحتمال الأول سعيها إلى ربح قاعدة شعبية استنادا على الشعبوية واللاوضوح النظري وإيجاد موقع قدم في الساحة السياسية ولو تطلب الأمر التحالف مع العدو الأبدي الإسلام السياسي ودولة الخلافة في مواجهة النظام السياسي الديكتاتوري المخزني القائم . وهنا، تبدو سذاجة هذه الطروحات السياسية وطوبويتها . لأنه استنادا على كل التجارب السياسية السابقة , مثل هذه التحالفات السوريالية المحلية والدولية لا تنتج إلا الكوارث . هذا، إن علمنا أن ديكتاتورية النظام الملكي المغربي لا يمكن أن تكون أكثر سوءا من ديكتاتورية الجماعات الدينية وإرهابها . بالإضافة، إلى عامل موازين القوى الذي ليس في صف هذه التيارات المحسوبة على الحداثة. إذ أن أي تحالف غير مبني على ورقة ثقافية واضحة تحترم الحريات وحقوق الإنسان سيقود في نهاية المطاف إلى هيمنة الخط الشعبوي الإسلاموي على ميكانيزمات الصراع، وهو ما تبدو ملامحه بشكل ميكروسكوبي في حركة عشرين فبراير.
الاحتمال الثاني البحث عن مصالح شخصية ضيقة ومكاسب آنية بدون أي تصور أو تمثل لشكل وطبيعة الفعل السياسي، ولا يندرج في أي خانة من خانات البراغماتية السياسية أو التكتيك، وهو ما يعرف بالإنتهازية والوصولية طمعا في ربح شخصي آني كمنصب سياسي عبر المقايضة السياسية بشكلها البسيط والمباشر , أو طمعا في المال أو الشهرة ... وهو ما يظهر في بعض الأفراد والجماعات الموجودة داخل عشرين فبراير . عموما , تبقى غالبية الإنتقادات والتهجمات الموجهة إلى حركة ماصايمينش قادمة من أشخاص ضعيفي التكوين النظري والممارساتي , بل يمكن القول أن هؤلاء الوصوليين لا يفقهون في السياسة والفكر سوى الكاميرات والأرقام الهاتفية للصحفيين والشخصيات العامة , إنهم باختصار مثقفو مجلات تسريحات الشعر والبلاي بوي داخل حركة عشرين فبراير.
عود على بدأ إننا ماضون في حملتنا من أجل إفطار علني في رمضان داخل المغرب، وهو ما ينسجم مع مبادئنا وقناعاتنا، إذ لا بديل عن علمانية المغرب كشرط أساسي من أجل ضمان كافة حريات وحقوق الإنسان. إن دمقرطة المغرب والنضال من أجل بلد الكرامة والمساواة والعدالة يبدأ من الإيمان بالحريات الفردي، إن الذي يشوش على حركة عشرين فبراير ضد الديكتاتورية المغربية ليست حركة ماصايمينش، بل هم هؤلاء المنافقون الذين ليست لهم الجرأة على إعلان مواقفهم ومبادئهم علانية، سواء من طرف أتباع دولة الخلافة المحمدية أو نقيضهم.
نحن ندافع عن مبادئنا وقناعاتنا، ولا يهمنا أن تلتف حولنا غالبية الأصوات داخل المغرب في الإنتخابات المقبلة، كل ما يهمنا , هو أن نشارك بفعالية ومسؤولية في بناء مغرب حداثي ديموقراطي علماني ولو تطلب منا ذلك عقودا. نعرف أنه سباق المسافات الطويلة، ونحن مستعدون لذلك.