أحتاج إلى بخاخ بخجل باد عليه. و بتردد. يسأل شاب في العشرينيات من عمره. عن إمكانية أن نوفر له بخاخا. لأنه يعاني من ربو مزمن. معتذرا في الآن نفسه لأنه ليس من ساكنة مولاي ابراهيم. ولأنه اضطر إلى النزول من دوار بعيد. للبحث عنه. كأنه يقول ليس من حقي أن أكون هنا. وأطلب شيئا. ساكنة مولاي ابراهيم هم أحق به. فأي غريب عن المنطقة هو بمثابة منقذ بالنسبة إلى بعض المتضررين. و كثير من النساء يعتبرن الصحافيين مبعوثين من السلطة. وأنهم يملكون الحلول لكثير من المشاكل. ثم وبنفس الخجل. وبنفس الاعتذار. وبنفس الطيبة. انسحب ذلك الشاب في رحلة البحث عن البخاخ. رفقة صديق له. في دوار آخر. وفي أي مخيم. تحضر فيه السلطات. ويحضر فيه القادمون لتقديم المساعدات. وقد يسعفه الحظ في أن يعثر عليه. وربما لن يتحقق ذلك. فالصيدلية الوحيدة الموجودة في مولاي ابراهيم. تم اقتحاهما ساعات بعد الزلزال. و تم "نهب" كل الأدوية المتوفرة فيها. كما يؤكد (س). الذي حكى لنا عن انتشاله بمساعدة شخص من الوقاية المدنية. ويقطن بالدوار. لعدد من الجثث. والذي لا يعتبر ما قام به الناس سطوا على شيء ليس لهم. بل قاموا بذلك بدافع الضرورة. وبهدف إنقاذ أقربائهم. "فما نفع الدواء إن لم ينفع من هم في أمس الحاجة إليه". وبينما كان الأطفال والنساء والشيوخ يقفون في طابور. أمام متطوعين يقدمون لهم أطباق الكسكس. كان ذلك الشاب الذي يبحث عن بخاخ. يبتعد. ويبتعد. في الظلام. صاعدا إلى قمة الجبل. إلى أن اختفى. ولم يعد يظهر. ولم يعرف أحد ما حدث له. أخاف من الزليج! أخاف من كل شيء يقول أحمد. أخاف من الزليج. من السقف. من النوم. من اليقظة. أخاف الآن من كل شيء. وكلما "شفت الموازييك تنتخبى وتنسد عيني". لقد أصبحت شخصا آخر يحكي أحمد. وهو الذي قام بدور بطولي ليلة الزلزال. بعد أن أنقذ جارة له وصغيريها. وأخرجهم من تحت الأنقاض. وهو الذي انتشل عددا من الجثث بشجاعة نادرة. مغامرا بحياته. كما يؤكد ذلك أصدقاؤه في الدوار. صار الآن لا يقوى على مواجهة ما عاشه يوم الكارثة. فتحضر في ذهنه الجثث. وتحضر الأصوات الهادرة. وتحضر الأعضاء المبتورة. كأن الزلزال لم يغادره. وبلكنته المحلية الامازيغية. يلخص أحمد ما عاشه. قائلا بحكمة أهل هذه المنطقة من المغرب"داني البحر. داني الواد. شفت الجنون. وعمرني ما تخلعت وخفت حتى لنهار الزلزال". نعجات تتبع الميتة إلى قبرها مهما حاولوا منعه لا يتراجع قطيع النعجات الصغير في جماعة ويرغان عن مرافقة السيدة التي كانت تربيه وترعاه إلى قبرها. وقد تم تفريقه أكثر مرة. والعهدة على كل الذين يروون هذه الحكاية. لكن القطيع كان يتجمع من جديد ويوحد صفوفه. كي يعود من جديد إلى المكان الذي دفنت فيه المرأة التي كانت ترعاه. يقول رجل في الستينيات من عمره. إنه كان شاهدا على ذلك. وقد حاول بدوره صدها. لكن إلحاح النعجات جعله في النهاية يبكي. ويستسلم. لا أحد يدري مدى صحة كل ما تحكيه الساكنة. ومتى ينتهي الواقع. ومتى يبدأ الخيال. لكن الزلزال خلق ملاحمه. وأساطيره. ومعجزاته. ومبالغاته. ولا يمكن لمن يستمع إلى الناس وإلى ما عاشوه ليلة الزلزال إلا أن يصدقهم. وبتعجب بدوره من تشييع قطيع الغنم للمرأة التي ربته. ثم ماتت تحت الأنقاض. يحكي شاب عن حضوره لمشهد ملحمي آخر. وذلك حين قدم رجال الوقاية المدنية. وشرعوا في عملية إزالة الأنقاض. إذ بعد ساعة أو أكثر تمكنوا من انتشال ثلاث نساء ميتات. الأولى جدة تحضن حفيدها. والثانية أم تحيط بذراعيها رضيعها الذي ولد قبل أسبوع. والثالثة تشد بيديها صغيرها الذي لا يتجاوز عمره ثلاث سنوات. وكلهم قد غادروا الحياة. محافظين على آخر رد فعل قاموا به. وهم على قيد الحياة. في مواجهة الهزة الأرضية. يروي الشاب نفسه عن زوج وزوجة في نفس جماعة ويرغان. كانا لحظة الزلزال في سطح منزلهما. لتنزل الزوجة التي كانت قد أجرت عملية قيصرية قبل أيام. لتتناول دواء لها. وفي تلك اللحظة. وهي نازلة. وقعت الهزة. وماتت. بينما نجا الزوج في السطح. مع الرضيع. لن أقول لكم أي شيء ليس لدي ما أقول لكم. عافاكم. سمحو ليا. صوِّروا الأولاد. صوروا كل الأطفال الذين ترونهم. أما أنا فليس لدي ما أحكيه لكم. كان ذلك في أرض شاسعة خلاء. في أرض قاحلة. نصبت خيمتان زرقاوان. وسط الفراغ. وفي الطريق كان أطفال يشيرون إلى السيارات كي تتوقف. طلبا للمساعدات. لكن الأب كان يرفض أن يقول أي شيء. قبل أن يطل من الخيمة رجل آخر. وهو الذي أخبرنا أنهم أسرتان. وقد قرروا أن يبنوا هنا في هذه المنطقة الخلاء التي تسمى أزاغار. بعيدا عن تاكروكست. و عن الدوار. القريب من "البراج". لم نفقد أي واحد منا. قال. لم تسقط منازلنا. قال. نحن بخير. فقط نساؤنا خائفات. ولذلك قررنا المجيء إلى هذا المكان الخالي. وما شجعنا وجود بئر. عافاكم. عافاكم. سمحو لينا. ما عندي ما نقول ليكم. يردد الرجل الأول. نفس اللازمة. عافاكم. عافاكم. يرددها إلى ما لا نهاية. وهل حصلتم على مساعدات. هل توصلتم بأي شيء. لا. صغارنا هم الذين يقفون في الطريق. ويشيرون إلى العابرين في السيارات. صغارنا هم من يحمل لنا الطعام من العابرين. أما نحن فلم نلتق بأي شخص. ولا بأي مسؤول. و بمجرد ما حصلنا على الخيمتين. جئنا إلى هذا المكان. في الخلاء. عافاكم. عافاكم. سمحو لينا بزاف. نومة عميقة في سيارة بيك-أب! في خلفية بيك- أب. في مقعد سيارة. في الخيمة. واقفين. ينام هؤلاء الشباب الذين جاؤوا من مدينة برشيد لإطعام الساكنة المتضررة من الزلزال. ورغم التعب الذي يهدهم . ورغم النوم الذي يغالبهم. لا يهدأ لهم بال حتى يقدموا وجبة العشاء. وعندما يستسلم الواحد منهم للنوم. يقاوم أصدقاؤه. في تفان. قل نظيره. ولا أحد منهم يشتكي. كان اليوم يوم جمعة. ولا أفضل من الكسكس. وهو متوفر للجميع. حد التخمة. يقول الطفل "زدني حمصا" فيبتسم المتطوع. ويزيده الحمص. وهناك من يرغب في المرق. أما اللحم فمتوفر ولا أحد يطلب منه المزيد. وفي اليوم الواحد. يوفر هؤلاء المتطوعون أكثر من وجبة. وبعد أن تناول الجميع الكسكس. قدموا للناس في وقت متأخر الحريرة. والتمر. في هذا المخيم المتواجد وسط مولاي ابراهيم. يقول هشام. القادم من مدينة برشيد. الناس يسهرون إلى وقت متأخر من الليل. ولذلك نقدم لهم أكثر من وجبة في اليوم. وعندما تهب ريح قوية. ولما يتصاعد الغبار. يسارع الجميع. إلى حمل أغطية الطناجر الكبيرة. وترش النساء الماء. قرب الخيمات. وأمام الطاولة التي يقدم فيها الطعام. وبعد يومين أو ثلاثة صار ولاد حريز القادمين من برشيد وأمازيغ المنطقة عائلة واحدة. كأنهم كانوا على معرفة مسبقة ببعضهم البعض. ينادي الواحد منهم على الآخر باسمه. ويمازحه. ويقدم له يد العون. ويساعده في إعداد الأطباق. وفي تقديمها للناس. آلة قهوة معطلة تحكي "عزيزة" الطباخة المحترفة. التي أتت متطوعة مع قافلة الذين جاؤوا من برشيد"لقينا الناس فالبدية تياكلو الخبز اليابس". أما الآن. وبعد أن حملوا معهم فرنا كبيرا. وخبازا يعجن ويطهو الخبز. فإنه وفي كل ساعة. يتم توفير 2000 خبزة. وأمام باب المطبخ. الذي كان قبل الزلزال روضا للأطفال. هناك أكثر من عشرة خراف مذبوحة. يتم تقطيعها. من طرف جزار جاء هو الآخر من برشيد. لتطبخ كاملة. يقول هشام" كل يوم ننحر ما بين 10 و12 خروفا. وإذا لاحظنا أنها غير كافية. أضفنا واحدا أو اثنين". حيث أحضروا معهم شاحنة غنم من برشيد. وما يكفي من الخضروات. باستثناء تلك المعرضة للتلف. والتي اشتروها من مراكش والنواحي. ورغم أن القهوة تبدو ترفا. وليست ضرورية. إلا أن البرشيديين المتبرعين حملوا معهم آلة قهوة كبيرة. كتلك الموجوة في المقاهي. وأمام مشكل عدم توفر الكهرباء بشكل كاف. فقد ظلوا طيلة ليلة الجمعة يحاولون تشغيلها. ويجربون كل الحلول. وربما هي متوفرة الآن لمن يرغب فيها. أثناء ذلك. وفي وقت شبع فيه الجميع. كان كلب قبالة المطبخ. نائما. يهر. كأنه غير معني بما يقع. على غير عادة الكلاب. وغالبا أنه كان هو الآخر شبعان حد التخمة. حمار الليل يقف في الطريق في وقت متأخر من الليل. وفي طريق ملتوية. وقف حماران. أمام السيارة التي كنا نتنقل بها. وذلك أثناء عودتنا إلى مدينة مراكش. قبل أن ينسحبا بهدوء. و ربما هما نفس الحمارين اللذين تحدث لنا عنهما المتطوعون. الحماران اللذان كانا يساعدان في نقل الخبز إلى الدواوير التي يصعب الوصول إليها. الحماران اللذان كان يواصلنا السير حيث تتوقف السيارات. وربما بدورهما كانا يأخذان قسطا من الراحة. قبل حلول يوم جديد.