[email protected] يستهل المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة لنزاع الصحراء، ستافان دي ميستورا، زيارته الأولى منذ توليه المنصب لمدينة العيون، يوم الإثنين المقبل، بحيث تحمل طابع الإستكشاف وإستطلاع الآراء، وتعتبر تكميلية للزيارة التي قام بها للمنطقة في يوليوز 2022. وتأتي الزيارة لمدينة العيون في وقت حساس إقليميا وقاريا، إذ أن المحيط الإقليمي يشهد جملة من التطورات التي من الممكن أن تعصف بالمنطقة عدا تلك السابقة المرتبطة بقطع العلاقات بين المغرب والجزائر وحالة التوتر التي تشهدها بسبب التصعيد الدبلوماسي والإعلامي الجزائري الذي يكرس دورها كطرف في نزاع الصحراء ويؤكد مسؤوليتها المباشرة فيه. زيارة المبعوث الشخصي ستافان دي ميستورا للصحراء، وإن كانت تحركاتها بدأت بوادرها بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ نحو شهرين، إلا أن التسريع في أجرأتها نابع من عدة أسباب مهمة قد يكون لها إنعكاس مباشر على المنطقة وتفرض مجموعة من التحديات الواجب تجاوزها لضمان الإستقرار في المنطقة والحفاظ على مكتسب الأمن الذي تنعم به بعيدا عن رياح الأزمات السياسية. ماهي الأسباب التي عجلت بزيارة دي ميستورا ضرورية ؟ زيارة المبعوث الشخصي ستافان دي ميستورا للعيون بطابعها الروتيني الواجب لبداية النهش في حيثيات الملف ووضعه على طريق التسوية بحكم أن الزيارة ضرورية قبل الخوض في العملية السياسية، إلا أنها تحولت فجأة إلى حقيقة وينظر لها بعين الوجوب والسرعة في الأجرأة، وذلك نتيجة لعدة أسباب منها ماهو مرتبط بالمنطقة نفسها، أي منطقة شمال أفريقيا، ومنها ما هو مرتبط بالمحيط الجغرافي الزاخر بالمتغيرات، ومنها ماهو مرتبط بالمبعوث نفسه، ومنها ماهو مرتبط بالنزاع أيضا وتطوراته، ومنها أيضا ماهو على علاقة بخطاب الملك محمد السادس بمناسبة ذكرى 20 غشت ودعوته الجزائر لبناء العلاقات بين البلدين. بالنسبة للأسباب التي عجلت بزيارة ستافان دي ميستورا، فيمكن إستحضار الوضع الإقليمي في شمال أفريقيا مع الإضطراب السياسي في ليبيا وتحدي مواجهة الإرهاب، بالإضافة للسبب الرئيسي هو التوتر الحاصل في العلاقات بين المغرب والجزائر بسبب قطع العلاقات الثنائية والتمادي الجزائري في التهييج والتحريض ضد المغرب سواء سياسيا أو إعلاميا، وهو الأمر الذي لا يخدم مسألة تسوية النزاع ويجعل من كل المبادرات أو التخريجات عُرضة للفشل، بمعنى أن قطع العلاقات بين البلدين هو تحدي يفرض على النزاع أن يراوح مكانه دون تحقيق أي تقدم كان. سبب آخر من الممكن أن يكون مُغذيا لزيارة دي ميستورا للصحراء، وهو التقلبات المحيطة بالمنطقة ووضعها الجغرافي الحساس المرتبط بالقرب من منطقة الساحل والصحراء التي تشهد نوعا من عدم الإستقرار السياسي و اللاأمن على ضوء الإنقلابات التي عرفتها النيحر والغابون دون الحديث عن تحدي مالي، إذ فرضت هذه التحديات على الولاياتالمتحدةالأمريكية المتحكم الرئيسي في الملف إعادته فتح بالنظر لمصالحها في المنطقة ومصالح الإتحاد الأوروبي والخوف من ولادة بؤرة توتر قد تنتهي بأزمات دامية تتيح مناخ ملائم للإرهاب الذي يؤرق بال الولاياتالمتحدةالأمريكية والأوروبيين خوفا من وصوله إليها. السبب الآخر الذي يجعل من الزيارة ضرورية هو الحفاظ على ماء وجه المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة لنزاع الصحراء، ستافان دي ميستورا وتاريخه الدبلوماسي، إذ باتت الزيارة حتمية بالنسبة له قصد اللعب عليها لتجاوز فشله في تحقيق شيء يذكر في الملف منذ تعيينه في أكتوبر 2021، والترويج لها كإنجاز حققه إن إستثنينا عقده لمشاورات غير رسمية مع الأطراف والفاعلين الدوليين قصد ضمان وصول قوافل الإمداد لبعثة الأممالمتحدة في الصحراء "مينورسو" شرق الجدار الرملي شهر مارس الماضي، ضمانا لتنفيذ البعثة لولايتها في مراقبة إتفاق وقف إطلاق النار، وبالتالي فإن زيارة الصحراء مصيرية للمبعوث الشخصي في كسب سبيل إحترام أعضاء مجلس الأمن. من بين الأسباب التي تجعل من الزيارة ضرورية، أيضا نجد مسألة مناقشات مجلس الأمن الدولي حول الصحراء في أكتوبر المقبل التي سيتم بموجبها إعتماد قرار جديد يمدد الولاية الإنتدابية لبعثة الأممالمتحدة في الصحراء "مينورسو" لسنة مقبلة، والتي يسعى المبعوث الشخصي لجعلها محطة لحشد الدعم والتأييد له، حيث سيُطلع أعضاء مجلس الأمن الدولي على الجهود والمساعي التي يقوم بها ومن بينها مواصلة تلك الجهود عبر زيارة الصحراء التي كانت حتى وقت قريب مستحيلة بالنسبة له، ما يعيق تحقيق تقدم في الملف والإنتقال من مرحلة الإنصات والإستكشاف إلى مرحلة العمل على إطار العملية السياسية للنزاع. سبب آخر يُغذي وجوب زيارة المبعوث الشخصي ستافان دي ميستورا ويقوم بتيسيرها، ويتعلق بالخطاب الملكي في 20غشت الماضي، والذي حمل رسائل ظاهرة وباطنة للجزائر، بعد دعوة الملك محمد السادس لبناء العلاقات وفتح الحدود، حيث كرس فيه الملك مقاربة اليد الممدودة للجزائر والإستعداد للحوار ظاهريا، بيد أنه حصر النزاع بين البلدين باطنيا ما دام حل النزاع يمر عبر قناة البلدين فقط، وكان بمثابة المؤشر الذي يوحي بإنخراط المغرب سياسيا في تجاوز إكراه العلاقات بين الجانبين في سبيل تسوية الملف، وهو ما تلقفه المبعوث الشخصي والولاياتالمتحدةالأمريكية، وإستغلته واشنطن لصالح الملف لترسل دعوة لوزير الخارجية الجزائرية، أحمد عطاف لزيارتها وبحث الملف، وهي المحادثات التي إنتهت بعد الإفصاح عن الشق الخاص بعلاقات المغرب والجزائر فيها. على الرغم من أهمية زيارة دي ميستورا للمنطقة، إلا أنها تبقى روتينية بحكم إستحالة بدء العملية السياسية دون الإنصات للأصوات الداخلية من فعاليات سياسية واقتصادية وحقوقية وقبلية وغيرها، بيد أنها توحي بمؤشرات على عمل جانبي متكتم عليه لإعادة إحياء العملية السياسية للنزاع والعودة لجلوس الأطراف وجها لوجه لبناء مسار ينتهي بالتسوية التي تفرضها الأسباب المذكورة سلفا.