ست سنوات من معاينة ....ست سنوات بالكاد مكنت مخاطبكم من الإلمام بكل ما يجري هنا في كان....ست سنوات لأحصل على بطاقة اعتماد محترمة تجعل مالكها ينتقل بين مختلف الصالات....ست سنوات لأكون مالك قرار الاختيار بين مشاهدة midnight in paris و les pirates des caraibes....ست سنوات ليطرق باب جهاز تسجيلي الصغير تصريح "وودي آلان" أو "بيرناردو بيرطولوتشي" و "ميشيل بيكولي" بعد أن كنت أنا الباحث عنهم منذ أعوام....ست سنوات ليكون بمقدوري اقتحام بوباة "الكارلتون" و "الماجيستيك" في أمان و بأمان....ست سنوات ليتأكد المنظمون بأنني لست متشددا و إن كنت متطرفا في مشاهداتي السينمائية....ست سنوات ليقتنع القائمون على مهرجان كان بأن تغطية حقيقية لمهرجان حقيقي ليست فقط وقفا على الإنجليز و الأمريكيين و الفرنسيين....ست سنوات تجعلك في غنى عن إسهاب في شرح طبيعة مهمتك....ست سنوات أنست ببطاقة تعتبر أكبر مكتسب تنسي صاحبها عذابات العام الأول و الثاني....خلالهما يخول الاعتماد صاحبه الاقتراب من مكان الحدث لا أقل و لا أكثر....ست سنوات لأقتنع بأن بطاقة الاعتماد هي أحد أسباب نجاح "كان".... عذرا إن كنت بطيء الفهم....على الأقل لي القدرة على فهم القليل و إن تطلب الأمر الوقت الكثير....
لو كان "بيرطولوتشي" يشغل منصب "بيرلوسكوني" لكانت إيطاليا في وضع أفضل.... بيرناردو بيرطولوتشي منح سعفة ذهبية عرفانا لما أسداه من خدمة للسينما....الرجل عاش للسينما و من أجل السينما و للسينما و لم يحصل يوما على سعفة كان الذهبية.تييري فريمو و جيل جاكوب اللذان يسيران المهرجان قررا تكريمه , قررا أيضا أن يعاد تقديم شريطه الأكثر شهرة "لو كونفورميسط" في حلة جديدة .و البادي هو أن الرجل اختار قبل الحضور ل"كان" كلماته التي يخبر أكثر من غيره بأنها ستنقل عبر أنحاء العالم.أهدى السعفة الرمزية لبلدان العالم الثالث...."لأنهم محرومون من القاعات السينمائية,لأنهم يقنعون بسهولة بأن السينما من اللازم وضعها في خانة الكماليات,لأنهم لا يشاهدون الحياة من خلال السينما,لأنهم لا يشاهدون الحياة في السينما"....لكل هذه الأسباب -يقول بيرطولوتشي-"من اللازم إقناعهم برحابة صدر بأن من يفكر بهذه الطريقة لن يفهم أبدا سبب معاناته....لن يفهم أبدا بأن السينما وجدت في الأصل لتقديم صورة تحاكي بأقرب الطرق ما يعانونه في يومياتهم البئيسة".... هذا التصريح نقلناه في نشراتنا الإخبارية سلفا لكن المنظمين هنا في "كان" لم يتوقفوا عن إعادة تقديم هذا التصريح بعديد لغات...."الهووليود ريبورتر" كتبت على صدر صفحتها الأولى بأن إيطاليا كانت ستكون محظوظة لو كان "بيرطولوتشي" في مكان "سيلفيو بيرلوسكوني".... من "كان",تحية لروح الكاتب بول بولز أحد ملهمي "بيرطولوتشي"....من "كان" تحية لطنجة التي صور فيها "بيرطولوتشي" كثيرا من مشاهد شريطه "شاي في الصحراء"....من "كان" نشكر لكم حسن المتابعة....إلى الملتقى....
باستثناء الراحل يوسف شاهين و إيليا سليمان....العرب لا يقتربون كثيرا من قاعة Lumiere و Bunuel.... العرب حين يحضرون بأشياء يصنفونها جورا في خانة السينما يعرضون في قاعات لا علاقة لها بمهرجان "كان"....مرتزقة العرب يدفعون لقنوات تلفزية تافهة لتحضر و تصور هذا الحضور على أنه حدث غير مسبوق....
العرب الذين يقتاتون من جذور ضعفهم يكذبون على العرب الذين يشاهدون من بعيد....العرب الذين يستنزفون الأموال المخصصة للسينما في بلدانهم....ليس بمقدورهم حتى الدخول من بوابة قصر المهرجان لأن المنظمين هنا جادون و يعرفون بأنه بين هذه الفئة و بين السينما قليل من خير و كثير من استنزاف....الأكثر غرابة هو أن هذه الفئة لا تخجل,عندما تعود خائبة إلى بلاد العرب تتحدث عن ملاحم خيالية....
قليلون يقنعون في صمت....نتحدث عنهم و نفتخر بهم و دليلنا على ما نقول برنامج المهرجان الذي يفضي بكل الواضحات و المتوفر على الورق و على الإنترنيت و حتى في الأذهان....أما الفئة التافهة نتمنى فقط بأن تتبخر في قريب الآجال....اللهم أعنا على التخلص ممن لا يخافك و لا يرحمنا بتفاهاته....