استفهامات محيرة حول استهداف القضاء للمهنة بأحكام غيابية وأخرى قاسية. امتد التقاضي بسوء النية إلى مهنة المتاعب، واجتهد قضاة في تسجيل أهداف من وضعية التسلل، على مرمى صاحبة الجلالة، مخلفة نقاطا بالملايين تستنزف ما تبقى من ميزانيات الجرائد، في زمن تضرب فيه الأزمة أطنابها وتعيش المهنة على حقن الدعم العمومي للدولة، للإبقاء على وجه من وجوه صرح الديمقراطية والتعددية. آخر نماذج هذا الاستهداف ''غير المعلن''، ما تعرض له مدير نشر يومية الأحداث المغربية، إحدى دعائم حرية الرأي والتعبير بالمملكة، وصوت الوطنية المتصدي للنعرات المعادية، إذ اضطرت الجريدة إلى الإعلان في صفحتها الأولى لعدد أمس (الأربعاء)، عن الظلم القضائي الذي لحقها، مستغربة، في الآن نفسه، حرمانها من حقها في الدفاع عن نفسها، في جلسات ''صنع'' الحكم القضائي، التي انعدمت فيها أسس المحاكمة العادلة، وغاب فيها التوازن بين الشاكي والمشتكى به. المشكل ليس في المبلغ المحكوم به غيابيا، والذي سبق أن أدت المؤسسة الإعلامية أضعافه في قضايا نشر رفعت ضدها، ولا حتى في مسطرة حجز ما للمدين لدى الغير، التي لم تستهدف الحساب البنكي للشركة، بل انصبت على الحساب البنكي الشخصي لمدير النشر، الذي يعيل منه عائلته وينفق من مدخراته على حاجاته المستعجلة والآنية، بل المشكل، كل المشكل، كما عبرت عن ذلك الجريدة، في حق العلم بوجود دعوى قضائية ضد الجريدة، وما يقتضيه الأمر من سهر على تبليغ الطرف المشتكى به، للدفاع عن نفسه وبسط أجوبته المهنية والفنية، ومناقشة حدود الممكن وغير الممكن في الصحافة والنشر. ولمكر الصدف، أن مدير النشر لم يبلغ بالاستدعاء المباشر خلال انطلاق الدعوى، ولا أثناء سريان الجلسات، ولا حتى بالحكم الابتدائي. والطريقة نفسها اعتمدت في المرحلة الاستئنافية، إذ أن التبليغات لم تصل إلى مدير النشر، ولم يعلم أصلا بوجود هذه الدعوى، في وقت كانت فيه الجريدة تمثل بواسطة دفاعها في دعاوى أخرى حضرتها ودافعت فيها عن نفسها. سارت جلسات القضية بين المشتكي والهيأة، إلى أن صدر الحكم النهائي، وبوشرت مساطر التنفيذ الجبري مباشرة، بالتوجه إلى حجز ما للمدين لدى الغير، وتنفيذ الحجز على الحساب الشخصي في حدود المبلغ المحكوم به. تزامن هذا الحجز "الاستثنائي"، مع صدور أحكام قاسية بتعويضاتها الثقيلة ضد جرائد، ما يطرح استفهامات حول طريقة معالجة الشكايات المباشرة، والغلو في الإدانات المالية، ويهدد مستقبل مهنة المتاعب، ويشجع في الآن نفسه على ''تيك توك'' و''يوتوب'' و''فيسبوك''، التي تغيب في منصاتها الحقيقة وتضيع بين مواقعها هوية الناشرين، أمام حجم جرائم التشهير المبثوثة.