يكفي أن تعلم أنه «ممثل المغرب الدائم لدى الأممالمتحدةبجنيف» لتدرك أن الرجل قابض حقيقي على الجمر، وأنه مقاتل من طينة مختلفة. منصب جد حساس لا يمكن لصاحبه سوى أن يجر خلفه تاريخا حافلا من النجاحات، وأن يكون قائدا متمرسا على جميع المنعرجات، خاصة إذا كان هذا المنعرج يسمى «قضية المغرب الأولى». إنه عمر هلال الذي يجر وراءه فصولا طويلة من العمل الديبلوماسي. يبلغ من العمر 63 عاما (من مواليد يناير 1951 بأكادير)، حاصل على إجازة في العلوم السياسية من كلية الحقوق بالرباط سنة 1974. وقد سبق له أن اشتغل في الجزائر في ذروة الخلاف بين الراحلين «الحسن الثاني» و«الهواري بومدين»، وعلى إلمام شامل بأدوات الدعاية والهجوم التي يستعملها جنرالات «قصر المرادية» لعرقلة حل أزمة الصحراء. الرجل لا يحمل مدفعا أو بندقية أو مقنبلة من نوع «ميراج» أو «فانتوم»، وليس معنيا بسباق التسلح العلني؛ الرجل ديبلوماسي، ويدرك بحنكة المتمرسين أن الديبلوماسية جسر «حربي» لتحقيق الانتصارات، دون أن تطلق رصاصة واحدة، وأنها أقصر الطرق لرد منجل الخصوم نحو نحورهم، حتى لو كان هذا «المنجل» يساوي ملايين الدولارات. ما هي «نقطة ضعف» الملف المغربي لدى الأممالمتحدة؟ وما هي الثغرة التي تتسرب منها الزوابع والعواصف نحو البيت المغربي؟ لن يختلف اثنان حول «ورقة» حقوق الإنسان التي نجح عسكر الجزائر في ترويجها، وبذل الأموال الطائلة لتجنيد «الأبواق العابرة للقارات» التي تقدم المغرب، بمناسبة أو من دونها، كجلاد للصحراويين، وكقامع للحريات، وكمستبد لا نهاية لاستبداده!، والحال أن المغرب أطلق «سياسة كلاسنوست حقوقية» أسفرت عن انكشاف كل «الفظاعات» التي ارتكبت في سنوات الرصاص. ولما كان المغرب بحاجة إلى رجل يتقن اللغة الديبلوماسية جيدا، ويعرف حقيقة الرهان الدولي على حقوق الإنسان وأهميته الآن في العلاقات الدولية، فقد وقع الاختيار على عمر هلال -كحصان رابح- خاصة أن «المهارة» تكمن في إجادة «التسويق الحقوقي» في جنيف (عرين الأسد الأممي).. أي في المكان الذي رسمه الأعداء ليكون حلبة للصراع المفتوح؛ وهي مهمة شاقة تقتضي النباهة واليقظة وحضور البديهة، والتحرك يمينا ويسارا من أجل إحباط أي محاولة لكسب المساحات من «بوليساريو بوتفليقة»، ويساعده في هذه المهمة 10 أطر في كامل لياقتهم الديبلوماسية، يشتغلون بتفان، ويتحركون بحرص، لأنهم يدركون أنهم يحاربون وأقدامهم فوق حقل غير مستقر من الألغام. وهذه الأطر تقوم بتتبع ملفات المغرب الأممية (حقوق الإنسان، الهجرة، اللاجئون، منظمة العمل، منظمة الصحة، نزع السلاح.. إلخ)، وهي مهام، كما يبدو، مرهقة جدا، حيث يتضح واقع الحال مقارنة مع السفارات الأخرى، التي تضم من 40 إلى 50 إطارا، بل إن هناك دولا تتوفر على 3 سفراء دائمين في جنيف (الولاياتالمتحدةالأمريكية مثلا) أو سفيرين (فنزويلا)، حتى يتسنى لكل سفير الإشراف على ملف بعينه. بينما المغرب، لقلة ذات اليد أو لجهل الحكومة والبرلمان بالدور الإستراتيجي الحاسم ل «السفير الدائم بجنيف»، يقتصر على هذا العدد الضئيل من الأطر، وكأن الأمر يتعلق بجولة قنص في أحراش غابة المعمورة! الأدهى من ذلك أن الولاياتالمتحدة، مثلا، تشتغل بنظام الأقطاب: (قطب حقوق الإنسان، قطب الهجرة.. إلخ)، وكل قطب يشرف عليه منسق، وهذا الأخير يشرف على أطر عديدة تشتغل تحت إمرته، بينما نجد بالنسبة للمغرب إطارا واحدا يغطي ثلاثة أقطاب دفعة واحدة، مما يعرضه للإنهاك والإجهاد.. والأنكى أن «الراتب» هزيل جدا ولا يكفي لسد شروى نقير، كما تقول العرب. بل إن راتب ديبلوماسي مصري في جنيف -إذا شئنا المقارنة- يتقاضى راتبا يوازي راتب «ممثل في هوليوود»، بينما راتب الموظفين الديبلوماسيين المغاربة لا يكفي للإقامة المريحة. إن عمر هلال، الذي يقود الفريق المغربي في جنيف، يدرك جيدا هذه الإكراهات التي تعيشها «النواة الصلبة» للديبلوماسية المغربية، كما يدرك أن الضغط أصبح أكثر كثافة بعدما انتخب المغرب عضوا في مجلس حقوق الإنسان، إذ طرحت على البلاد التزامات أكثر.. وبات من البديهي أن يكون المغرب في مستوى التطلعات الدولية، وفي مستوى تجنب كل ما من شأنه أن يلوث «السمعة» التي تطلبت معارك طاحنة لتبنى وتترسخ. إنه لمن حسن حظ الرباط أن يكون رجلها في جنيف هو هلال، وأن يكون الحزام الذي يطوق به كل «محاولة اعتداء» هو تلك الأطر الكفؤة والمدربة والمتفانية، والتي تتوفر على بروفيل خاص بناؤه أو تعويضه، ومن أبرزها حسن البوكيلي، الذراع اليمنى لهلال، وهو شاب يؤمن بالديبلوماسية الهجومية، وذو إلمام جيد بالعمل متعدد الأطراف، وهو حجر الزاوية في السفارة. إن الممثل الدائم للمغرب بجنيف مسؤول لم ينزل بمظلة ولم تأت به رياح «الصيف الماضي»، فهو ذو تجربة طويلة في العمل الديبلوماسي، خاصة الديبلوماسية المتعددة الأطراف، وله دراية دقيقة بمختلف القضايا التي تطرح على مستوى حقوق الإنسان، أو على مستوى المنظمات الأممية الأخرى. كما أنه متمرس على قواعد المنظمات الدولية، ويتقن جيدا الإجراءات والبنى والاختصاصات التي يقوم عليها عملها، فضلا عن معرفته الجيدة بمواقف مجموعات الدول التي تسمح له باستباق قراءة الخريطة في كل قاعة أو كل جلسة (مجموعة دول عدم الانحياز، المجموعة الإفريقية، المجموعة العربية.. إلخ). إضافة إلى كل ذلك، فإن عمر هلال يجيد تصريف موقف المغرب الرسمي المعروف بالوسطية والاعتدال، والبحث عن روح التوافق واحترام خصوصيات جميع الأطراف، كيفما كانت. وقد أهلته هذه الخاصية ليتم اختياره من طرف المجموعة الإفريقية ليقود المفاوضات باسم القارة السمراء مع منظمة التجارة العالمية في مؤتمر بالي بأندونيسيا سنة2013. رجل من هذه الطينة، وفي هذا المعترك الحاسم، مكسب للمغرب والمغاربة، وشوكة في حلق حكام الجزائر الذين جعلوا من قضية الصحراء «مسمار جحا» في الحائط المغربي. الغلاف/«الوطن الآن»، العدد558 الخميس 20 مارس 2014