سأتحدث عن امرأتين. بدون مناسبة ولا عيد ولا ثامن مارس ولا حقوق نساء. سأتحدث عن فتيحة المجاطي التي فقدت قبل سنوات زوجها وابنا لها في السعودية وتمنت اليوم ألا يعود ابنها إلياس إلى المغرب، وفضلت أن يموت في سبيل الله في سوريا، وألا تراه إلا يوم القيامة في الجنة. وسأتحدث عن الصحفية والكاتبة اللبنانية فاطمة عبد الله، التي كتبت مقالا مؤثرا في جريدة النهار عن شقيقها المقتول في سوريا، وهو يحارب في صفوف حزب الله. قالت فتيحة لابنها إلياس اذهب لتموت، وموعدنا في الجنة. وقالت فاطمة لشقيقها وهي تقف منهارة أمام جثته: اعذرني لأني لم أزفك شهيدا كما الجميع يفعل. اعذرني يا أخي لأني لا أقرأ الفاتحة. وأعبس في وجه كل من يصورك مرتاحا في موتك. ثم أنهار وأنهار وأريد ألا أنهض. لقد ذهب إلياس المغربي ليقتل شقيق فاطمة اللبنانية. الأول سلفي والثاني شيعي وكلاهما يحارب الآخر ويتمنى أن يكون شهيدا. كلاهما يريد أن يقتل الآخر في سبيل الله. وها هو شقيق فاطمة جثة برصاصة في الرأس، وهاهي تحكي: أحبك من دون مقابل، ومن دون أن يكون لكلينا أي نظرة مشتركة، سامحني إذ لم أكن أقلد سلوك الجميع في التبرك منك وتهنئتك. سامحني لأني لا أحمل تطلعات الأخت التي تتمنى. الأم الأولى تتمنى موت ولدها وفاطمة تقول: سأخبرك عن أمنا كيف تتحطم وكيف يتمزق الفؤاد. منذ الفجر وهي تملأ المنزل شوقا إليك. أمنا يا أخي تصبح غصة.. نحن نبكي فقط، فيما هي تكوى. سأترك جانبا بأي الطرق يخفف عن"أم الشهيد"، وكيف تلقن"الصبر". سأترك ذلك للجميع، وأحدثك عنها من دون تحميلك ذنب وجعها... لا أدري ما هو موقف فتيحة المجاطي من حزن الأم اللبنانية، وهل بمقدورها أن تحضنها وتكفكف دموعها وتعزيها، وهي التي تتمنى أن يموت ابنها. تقول فتيحة المجاطي لو مات ولدي سوف أكون سعيدة، بينما ترفض فاطمة هذا الموت، وترفض أن يقتل السني والشيعي في حرب لا تعنيهما. لا علاقة لهذا الموت المجنون بالله. الله بريء من السنة والشيعة. الله مع حزن الأمهات. ومع الحفاظ على الحياة.الله ضد القتل ولم يظهر كفر في التاريخ مثل كفر متطرفي السنة والشيعة. لقد كان الله واحدا أحدا، وجعل منه المتطرفون اثنين. يرتكبون الجرائم باسم الله ويطلبون الشهادة، ويطلبون من الخالق أن يكافئهم في الجنة يظنون أنهم يحاربون باسمه، بينما يحارب الشيعة مع مجرم اسمه بشار الأسد وروسيا ومصالحها، ويحارب السنة وكالة عن دول الخليج ومصالح الغرب. الله بريء من السنة والشيعة، ولا شهادة لأحد في هذا الموت. لا جنة. يموتون كضحايا. يموتون بلا سبب. يموتون مجانا. يموتون بجنون. الله عادل وسيعاقب من يقوم بغسيل أدمغة كل هؤلاء الضحايا الذي يموتون يوميا في سوريا. الله سيعاقب حكام سوريا وإيران والخليج وأمريكا وروسيا الله سيعاقب زعماء السنة والشيعة الدينيين الله سيعاقب كل من يدعو إلى الجهاد ليقتل السني الشيعي والشيعي السني الله سيسألهم واحدا واحدا بأي ذنب قتل شقيق فاطمة الله سيسأل فتيحة المجاطي التي تمنت موت ابنها الله سيكفكف دموع الأمهات المكلومات الله خلقنا وقدس الحياة. ولا يمكن لمخلوق عاقل وسوي أن يتخيل أن الله مع السنة أو مع الشيعة في هذه الحرب هذا كفر به سبحانه وتعالى والشهادة لن تمنح للقاتل ولا للمقتول في هذه الحرب المجنونة ولن يدخل كافر بالحياة الجنة. لم تكن فاطمة عبد الله تريد أن ترى شقيقها"شهيدا" ولا تريد التبرك به، بل كانت كأي أخت، تريده حيا يرزق، تريده أن يظل بجوارها، أخا لها، وألا يموت في حرب الآخرين، كانت لا تريد أن ترى غصة الأم، وكانت تريد أن تجاذبه أطراف الحديث وأن تجلس معه إلى مائدة الغداء، وأن تفطر معه ويشربا معا قهوة الصباح، وتشاهد معه سهرة في التلفزيون، وربما كانت تريد أن تراه وهو يصلي، وهو يعبد الله، وربما كانت تريد أن تغطيه في الليل. وأتمنى أن تقرأ فتيحة المجاطي رثاءها، أن تعرف ألم الفراق والموت الذي جربته، علها تغير موقفها، علها ترحم ابنها، ولا تضحي به، وأتمنى أن يقرأ كل من يحارب في سوريا رسالة تلك اللبنانية إلى أخيها المقتول برصاصة في الرأس، فلا شهادة ولا جنة في القتل، وهناك أشرار لا قلوب لهم هم الذين يقحمون اسم الله في هذه الحرب القذرة، فلم يخلق الله هذا الكون ليكافىء في النهاية من يقتل باسمه. الله عادل ولن يسمع صلوات المتطرفين السنة والشيعة الله يسمع صوت فاطمة وهي ترثي شقيقها: يخذلني الكون من حولي لأنك ترحل. أتدرك معنى أن ترحل؟ أن تخلف وراءك أما عجوزاً وأبا تائها وأختا تتصنع القوة فيما هي تتفتت، وإخوة يعزون أنفسهم بأنك الآن في الجنة. الله لن يغفر لمن تسبب في حزن الأم الله يرى دمعتها ودموع كل النساء وأتمنى أن تقرأ فتيحة المجاطي ما كتبته فاطمة أتمناها أن ترحم ابنها وتحافظ على حياته أتمنى ألا يموت إلياس كما مات شقيق فاطمة فالجنة يدخلها الذين يحبون خلق الله جميعا، سنة وشيعة وكيفما كان دينهم، وكفارا. يدخل الجنة الذين يحافظون على الحياة يدخل الجنة من لا يتمنى الموت لعدوه فما بالك إذا كان أخا له.