لا أعتقد أن أحدا سيختلف معنا في كون المراقبة و المحاسبة أمر ضروري لإعادة الثقة في قلوب الناس أملا في عودتهم إلى المعترك السياسي و تمهيدا لمشاركتهم في هذه العملية السياسية سواء بالترشيح أو بالتصويت . و بالرغم من ذلك فإننا قد نجد بعض الأصوات المتشددة التي تريد وضع العصا في العجلة حتى تمنعها من السير نحو الأمام . فمنهم من يقول : كيف يمكننا تحقيق ذلك ؟ فالأمر صعب جدا . و منهم من يقول : بل نريد ثورة تطيح بكل رموز الفساد ثم نبدأ البناء وفق مبدأ الديمقراطية و الشفافية و النزاهة و إحترام حقوق الإنسان ، و آخرون يقولون : لا مشاركة إلا من بعد أن نعرف أين ذهبت الثروة ، و بعضهم مشكلتهم فقط مع النظام لا يريدون التحرك إلا بعض القضاء عليه ، و آخرون يتحججون بأشياء أخرى . و نقول للجميع : ياقوم الإختلاف و التعصب للإنتماء و ياقوم التحزب و كل حزب بما لديهم فرحون ، كفوا جميعكم عن خطابات التيئيس ، انتهوا من زرع الإحباط و لغة الإنهزام فيكم و في الناس ، و اقضوا على نشر الحقد و الكراهية و البغضاء بينكم . إن الإختلاف بينكم نقمة و ليس رحمة كما يقال . بالله عليكم ماذا جنينا من صراعكم طوال هذه السنين على السلطة ؟ و ماذا جنينا من الإبتعاد عنها دون طرح بديل مقنع يرضي جميع الأطراف ؟ لم نجني سوى الخراب ، و مظاهر الفقر و البؤس ، و تفشي الآفات و المحن بين الشباب ، وزرع آمال في الأفق لا تتحقق ، و نشر الأمية و التخلف . فنرجوكم ثم نرجوكم أن تزرعوا في اليائس أملا و في البائس فرحا ، و أن تضعوا اليد في اليد لإيجاد الحل ، و أن تقطعوا مع زمن الإختلاف و التفرقة و العناد ، و أن تتقوا الله في أنفسكم و الناس و اتركوهم يعيشون عيشة هنية و كريمة بترككم لصراعاتكم و خصوماتكم و تنافسكم على السلطة جانبا ، و اجعلوا اهتمامكم ينصب في اتجاه حل أزماتهم و مشاكلهم و همومهم . فتفرقكم جعلكم تهتمون و تفكرون في منافسيكم أكثر من اهتمامكم بشؤون الناس و مشاكلهم . إننا إذن متفقون في حتمية و ضرورة وجود مراقبة و محاسبة لكل مسؤول مكلف برعاية شؤون الناس و أمورهم . و في نفس الوقت لن نختلف في ضرورة تمتع هذا المسؤول بكل الصلاحيات التي تسمح له بأداء مهمته دون عراقيل قد تحدثها سلطة أكبر منه . بهذا الشكل نضمن سير الأمور بشكل سليم دون إتاحة الفرص للنهب و السرقة و النصب على الناس بإسم القانون و سيتم وضع حد للصفقات المشبوهة لأن كل شيء مراقب ، و من تسول له نفسه الإصطياد في الماء العكر فإنه سيؤدي الثمن غاليا . و كنتيجة مؤكدة لهذا الإجراء فلن يتحمل المسؤولية إلا المصلحين الذين يسعون في الأرض إصلاحا لأن المفسدين ستضيق عليهم الأرض بما رحبت و سيرفعون الراية البيضاء و يبتعدون بعيدا عن السعي وراء السلطة التي يتسابقون عليها الآن في ظل غياب هذه المراقبة و المحاسبة . و هكذا فلن يتجرأ على هذه المسؤولية إلا ذو علم و كفاءة قادر على حل هموم الناس و العمل على تقدمهم وإسعادهم . و لن يتجرأ ذو الجاه و الطامع في المال العام على تحملها لأنه لا يفهم إلا في النصب و السطو على خيرات الغير فهو لا يبرع إلا في الفساد ولا يفقه شيئا في الإصلاح . و قد يتدخل الذي لا يركز جيدا في الذي نكتبه و لا يتدبره و يقول : كيف نصنع هذه المراقبة و المحاسبة في ظل وجود هذا الفساد المعشعش في كل مؤسسات بلادنا ؟ فنقول له : سبق و أن أخبرناكم باقتراح في هذا الشأن ألا و هو إنشاء جهاز أمني مخابراتي و قضائي يقوم بهذه المهمة عن طريق تسجيل كل كبيرة و صغيرة على كل مسؤول و وضعها في ملف خاص به يتم فتحه بعد نهاية ولايته الإنتخابية ثم نقوم بمحاسبته ، و كل من تبث إفساده يمنع من الترشح ثم يحاسب حسابا عسيرا كي يكون عبرة لكل فاسد . و طبعا هذا الأمر لن ينجح إلا إذا كانت هناك إرادة قوية من الحاكم و المحكوم في تحقيق ذلك . و هل تعلمون سبب ذكر المحكوم أيضا ؟ لأنه إذا وعى هذا الأخير بهذا الأمر جيدا و أراده أن يكون فما على الحاكم إلا أن يسلم به و يقبله و يعمل على تنفيذه إذا كان يخشى الله و يحب لقومه الخير . فهذا الأمر سيكون بمثابة إختبار له فيما إذا كان من الأخيار أم من الأشرار الذين يطغون في الأرض و يسعون فيها فسادا بسبب أنانيتهم و حبهم للسلطة و الملك و الخلود في هذه الحياة الدنيا التي نعلم مسبقا أنها فانية . و بالرغم من أننا وصلنا إلى هذه النتيجة عن طريق التفكر و التدبر في واقعنا بالمنطق و العقل إلا أننا مطالبون بالتوجه إلى تجاربنا و تجارب غيرنا و مراجعنا التي نثق فيها للإستفادة منها . و هنا أيضا ستطاردنا نقمة الإختلاف ، فهناك تيارات متعددة يعتمد كل واحد منها على تجارب و مراجع مختلفة . هناك من يعتمد على تجارب بعض الشخصيات المشهورة ك " نيلسون مانديلا " و " شيكفارا " ، و هناك من يتحمس لتجارب الدول المتقدمة في أوروبا و أمريكا ، و نجد من يستشهد لنا بالتجربة التركية كما يفعل تيار الإسلام السياسي كما يطلق عليه ، و هناك من يحن إلى الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة ، و استشهادات بتجارب أخرى كثيرة . فماذا سنفعل مع هذه المصادر المتنوعة ؟ و من هي التي سنتبعها ؟ إذا اتبعنا اتجاها دون آخر فإننا سنجد معارضة من التيارات الأخرى . و إذا حاولنا التوفيق بين جميع هذه المصادر فإننا سنقع في إصطدامات للأفكار و التوجهات . و إذا لم نتوجه لأي منها و اعتمدنا على تفكيرنا و عقولنا فقط فإننا سنتعرض لصعوبات بل قد نحتار و نتوه . إذن علينا أن نعتمد على مرجع لا يعارضه أحد ثم نحاول أن نأخذ منه الحل لإشكاليتنا التي استعصى علينا حلها في ظل وجود هذه الإختلافات و الإصطدامات . و بما أننا مسلمون و نؤمن بدين الله الإسلام فلماذا لا نتوجه إليه و نستلهم منه الحل فيما إذا كان علينا أن نشارك أو نقاطع هذه الإنتخابات ؟ فهل من معارض على هذا الطرح ؟ فسنجد أن الصمت دوى في المكان إلا من بعض التيارات العلمانية التي ستتدخل و تقول : علينا أن نفصل الدين عن السياسة ، فالدين مكانه المسجد لمن أراد أن يعبد الله أما السياسة فهي ميدان فيه كثير من التجاوزات حيث لغة المصالح هي المسيطرة عليه فلا يجب علينا أن نستغل الدين لتحقيق مصالح شخصية و لا يجب تلطيخه بما يفعله السياسيون من مساوئ . و نقول لهذا التيار : هل تعلم حقا ماهو الدين ؟ و ماهو دوره ؟ ألا تعلم أن القرآن الكريم، الذي يعتبر خاتم الكتب السماوية و أشملهم ، جاء تبيانا لكل شيء ؟ فهو لم يترك لا كبيرة و لا صغيرة إلا و قد ذكرها . و شيء عظيم كتحمل المسؤولية في تسيير أمور الناس لابد أن يكون مذكورا و مفصلا في هذا الدين . فبدل أن تدعونا إلى فصل الدين عن السياسة ، عليك أن تحثنا على التوجه إلى دين الله حيث يوجد العدل و الأخلاق الحميدة و ترك هذه السياسة النتنة حيث يوجد الظلم و الأخلاق السيئة . فأي الكلام نتبع يا هذا ؟ هل كلام الخالق أم المخلوقات ؟ أيهما أعلم الله أم البشر ؟ فإن كان جوابك هو الخالق الله فاترك دين البشر السياسة و اتجه إلى دين الله الإسلام . إذن فنحن متفقون في أن دين الإسلام الذي هو دين الله بمثابة المرجع الذي لن يخالفنا فيه أحد من مختلف التيارات و التوجهات الموجودة و لا حتى الناس العاديين الذين لا ينتمون لأي حزب أو جماعة أو حركة . و سبب اتفاقنا هو أننا مسلمون و نوجد في دولة إسلامية . فلا أحد سيجد في قلبه حرجا في أن نتوجه لدين الله الإسلام من أجل إيجاد الحل لمشكلتنا هاته . و بما أن القرآن الكريم كلام الله ، الذي وجهه لنا لنستعين به في حياتنا حتى لا نتوه و تضيق بنا السبل و نضل ثم نقع في التخبطات و المشاكل التي نقع فيها الآن لما ابتعدنا عنه ، فإننا سنبحث فيه عما يقوله في موضوعنا الذي نحن بصدده . و بما أن السنة النبوية الحقة الغير مدسوسة على رسول الله عليه الصلاة و السلام جاءت لتبين و لتفسر بعض ما جاء في القرآن الكريم فإننا سنستعين بها في فهم هذا القرآن إذا استعصى علينا ذلك . و لربما يريد أحد من الداعين إلى المشاركة في الإنتخابات أن يتدخل و يقول : لقد استعنا بالقرآن الكريم لنبين أن المشاركة في العمل السياسي أمر ضروري و هناك أيات كريمة في القرآن تدعونا لذلك . و نقول له و ماهي هذه الآيات ؟ فيقول : " و من أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله و ما الله بغافل عما يعملون " ( سورة البقرة الاية 140 ) . و يقول أيضا : " و لا يأبى الشهداء إذا ما دعوا " ( سورة البقرة الآية 281 ) . و يضيف : " و لا تكتموا الشهادة و من يكتمها فإنه آثم قلبه و الله بما تعملون عليم " (سورة البقرة الاية 282 ) . فهذه الايات تدعونا إلى عدم كتم الشهادة إذا مادعينا إليها ، و بما أن الإنتخابات هي دعوة المواطنين للإدلاء بشهادتهم على المرشحين فعلى المواطنين تلبية هذه الدعوة و تقديم شهادتهم بالتصويت و عدم كتمان هذه الشهادة و البقاء بعيدا فهذا إثم كما جاء في هذه الايات التي ذكرنا . إذن فعلى المسلمين الذين يؤمنون بهذا القرآن أن يتوجهوا إلى مكاتب الإقتراع للتصويت و الإدلاء بشهادتهم و يخلصوا ضمائرهم أمام الله و الناس و لا يجب عليهم أن يكتموا شهادتهم حتى لا تكون قلوبهم آثمة . و نقول لهم أي نعم معكم الحق في كون أن الشهادة أمر ضروري ، و على الناس إذا ما دعوا إليها ألا يمتنعوا . و لكن من حقنا أن نتساءل عن أي شهادة نتحدث . هل شهادة الزور الباطلة ؟ أم شهادة الحق الصحيحة ؟ و بطبيعة الحال سيقول الجميع بل شهادة الحق هي المقصودة في الآيات المذكورة . و هذا أمر جيد أن نتفق كلنا فقليلا ما نكون على رأي واحد . و لذلك فنحن نسألكم و نقول : هل التصويت في الإنتخابات و تزكية أحد المرشحين شهادة حق أم باطل ؟ أم أن الأمر أعجبكم أيها المشاركون و جعلتموها حقا حتى و إن كان العكس هو الصحيح ؟ فدعونا نحدد ما إذا كانت هذه الشهادة شهادة حق أم باطل . كما تعلمون فعلى الشاهد أن يكون حاضرا بذاته عالما علم اليقين على الشيء الذي يريد أن يشهد عليه ، علما لا يجب أن يحتمل الشك أو الإحتمال . و عندما يقوم الناس بالتصويت على مرشح ما فهذا يعني أنه يشهد عليه أنه رجل صالح و أنه سينفذ كل الوعود و لن يترك المشاكل و أنه قادر على تحمل المسؤولية و لديه مواصفات الرجل المسؤول . و لكن الناس لا يمكنهم أن يعرفوا أولئك المرشحين إذا ما كانوا سيفعلون ذلك أم لا . فهل سيشهدون على شيء في علم الغيب ؟ فهم إذا ما عرفوا حسن سلوك شخص ما من حيث الظاهر فإنهم لا يمكن أن يعرفوا باطنهم الذي لا يعلمه إلا الله . بالإضافة إلى إستحالة أن يضمنوا تحقيق كل ما يقوله المرشحون الذين هم بأنفسهم لا يضمنون نجاح مشروعهم إذ أنهم يجتهدون فقط و يحتملون ما يصرحون به . فلا يمكنهم أن يشهدوا على شيء غير متأكدين منه ، و بالتالي فقد اختل شرط مهم من شروط الشهادة ألا و هو العلم اليقين . و منه نستنتج أن التصويت للشهادة و تزكية أحد المرشحين كيفما كانت سمعته و صورته و أخلاقه فهي شهادة باطلة إذ لا يمكن لأحد أن يزكي أحدا آخر ، و الله هو الوحيد الذي يملك هذه الصلاحيات باعتباره عالما بما في صدور الناس . فعليكم أيها الداعمون للمشاركة في الإنتخابات أن تبتعدوا عن تحريف كلام الله عن مواضعه فلا تستشهدوا به في غير محله . و عليكم التفريق بين شهادة الحق و شهادة الباطل . و لذلك ابحثوا عن شيء آخر لتدعموا موقفكم إن وجدتم . يتبع ...