ما أجمل الوقت .ا وما أقساه علينا في نفس الوقت .ا وهاجسه ركب الإنسان منذ القدم ، ومنذ أن عرف الزمن ودوراته ، فوضعه موضع الحد والمضاء ، وقاسه بالسيف لأنه الأداة القاطعة الوحيدة التي كانت بيده آنذاك حيث قال : " الوقت كالسيف الحاد إن لم تقطعه قطعك " . ومع مرور الزمن ، وبعد أن عرف الإنسان الموازين والقياسات ،وضعه بميزان الذهب فقال : " الوقت من ذهب إن لم تحافظ عليه ذهب . " وبحلول المدنية وظهور الحضارات انتقل مفهوم الوقت من القياسات المادية إلى القياسات الحسية ، فأصبح شيئا حسيا يدرك مع قيمة الحياة والأشغال المنجزة فيها . فتحول إلى كيان الإنسان وجوهره ولم يعد الوقت ذلك الزمن المفتوح اللانهائي بل هو دقائق وثوان ودليل ذلك قول الشاعر : دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان . أما اليوم فلم يعد "الوقت " شيئا ماديا ولا حسيا ولكن أصبح قاهرا وعدوا للإنسان ، والصراع الحقيقي في حضارتنا اليوم هو مع الوقت ، فلا نجد أبدا إنسانا لا يشتكي من ضيق الوقت ، إلى درجة أن الأعمال والاشغال التي يقضيها طوال اليوم وساعات من الليل تبدو ضئيلة وضعيفة للغاية مع سرعة الوقت الذي يمر ويجري في لمح البصر أو سرعة الضوء ، إنها جبهة جديدة للصراع في حياة الإنسان المعاصر اليوم ، إنها جبهة " الوقت " الذي هرب من حياتنا وانفلت من بين ايدينا وأصبحنا نركض وراءه لاهثين دون توقف ، وكثيرة هي الأسئلة التي تطرح علينا اليوم : أهو الوقت الذي أصبح غير كاف لقضاء الحاجيات ؟ أم أن الأشغال هي التي كثرت وتراكمت علينا حتى صار فوق طاقتنا ، وفوق قدراتنا العقلية والاستيعابية ؟ أم أننا فقط لا نحسن تدبير أوقاتنا فتضيع منا سدى لكثرة الملاهي والمقاهي والمغريات التي حلت بمجتمعاتنا كالطاعون ، وأصبحنا نحوم في دوامة أو متاهة لا مخرج منها .