عقد مختبر السرديات ندوة علمية في موضوع "الكتابة بالتاريخ في الرواية المغاربية"، وذلك يوم الثلاثاء في الساعة السادسة والنصف مساء بخيمة الندوات، التي تحتضن الأنشطة الثقافية بالمعرض الوطني للكتاب في دورته السابعة، بساحة السراغنة – الدارالبيضاء، وسير أشغال هذه الندوة شعيب حليفي، الذي جدد شكره لكل الجهات المساهمة في تنظيم المعرض الوطني للكتبيين في هذه الدورة السابعة، ثم أبرز السياق الذي تأتي فيه هذه الندوة، وهو الاحتفاء بصدور رواية عبد الرحيم بهير الجديدة " زحف الأزقة"، لينتقل إلى تقديم قراءة أولية حول رواية عبد الرحيم بهير الذي ولج الأدب في نظره من ناحيتين، من باب الرواية ، حيث كتب خمس روايات، ثم ولج الجماهيرية من باب السيناريو من خلال سلسلتين تلفزيتين لقيتا شعبية واسعة عند المغاربة وهما سلسلة أولاد الناس وادواير الزمان. إن رواية زحف الأزقة - حسب شعيب حليفي - تشكل قمة النضج في تجربة بهير الروائية، لأنها جمعت بين الرؤية والأسلوب المتجدد، فهي تصلح لأن تكون فيلما أو مسلسلا، وقد قدم ورقة في موضوع الرواية بعنوان "تقرير إلى الموت والحياة" ، معتبرا أن هذه الرواية حبلى بالتخييل الروائي، حيث توسَّل الكاتب بتقنية جديدة تعتمد السرد الكرونولوجي ،والرواية لا تجعل من الشخصيات شخصيات مقدسة بل هي شخصيات ملوثة بكل لوثات المجتمع المغربي. ثم انتقل للحديث عن الجانب التاريخي، من خلال أربع مراحل من تاريخ المغرب، منذ القرن التاسع عشر إلى حدود سنة 2003 ، وهذه المراحل الأربع هي: مرحلة ما قبل الاستعمار- مرحلة الاستعمار والمقاومة- مرحلة ما بعد الاستعمار أو الاستقلال- مرحلة الانتفاضات. وبعد ذلك عرج شعيب حليفي على تيمة الموت داخل الرواية والتي تحضر في عدة فقرات من الرواية، لكنه موت شاعري فيه نوع من الإستيهام ، وقرأ في نهاية ورقته جملة من النماذج التي تجسد حضور هذا الموت الشاعري في مسار أحداث الرواية. و حول نفس الرواية ، تحدث حميد لغشاوي عن أهمية السرد التاريخي في هذه الرواية، عبر تقريب المسافة بين الكتابة التاريخية والكتابة الروائية،وفي خضم حديثه عن لعبة السرد داخل الرواية يعتبر حميد لغشاوي أن السرد في رواية "زحف الأزقة" يعرف نوعا من التدرج المحكم، باعتماد تقنية الحكي الاسترجاعي، ويرى أن الرواية تنفتح على قضايا ثقافية وعقائدية مهمة في تاريخ المغرب، غير أن تجربة الهروب إلى التاريخ ليست جديدة وإنما كانت في تجارب روائية مغربية متعددة منذ زمن دفنا الماضي، وبالنسبة لعنصر التجريب فإن الكاتب في هذه الرواية التاريخية يجد نفسه أمام خيارات فنية سردية صعبة في صوغ بنائه الروائي أو يبحث عن أفق جديد في التجريب، والمتمعن في الصوغ الحكائي لهذه الرواية يلاحظ أن الكاتب لم يسلك ذلك الاختيار الكلاسيكي التقليدي الذي يعتمد البطل الواحد والأحداث الكبرى وإنما حاول الانفتاح على تجربة ما بعد الحداثة. وبالانتقال إلى بوشعيب الساوري الذي قارب رواية "الرحلة الهنتاتية" للكاتب التونسي عبد القادر اللطيفي، فقد استهل حديثه بالقول إن عنصر التخييل يحضر بقوة في هذه الرواية، فبعد عتبة العنوان يقول الكاتب هذه الرحلة مجرد تخييل وابتداع.إن رواية الرحلة الهنتاتية تتتبع رحلة ابن الزمكي وهي رحلة لم يذكرها المؤرخون، كما يعتبر الساوري أن متخيل الرواية ينشطر إلى شطرين يحاولان تحقيق الرحلة والتعليق عليها، وركز على خمس مقومات تقوم عليها الرحلة الهنتاتية وهي: الحس النقدي والنسبية وعدم اليقين ثم غرابة الدافع إلى الرحلة بالإضافة إلى الطابع الإشكالي وأخيرا البعد الذاتي والواقعي. وإلى جانب الرواية التونسية، سجلت الرواية الجزائرية حضورها في هذه الأمسية من خلال رواية "الموت في وهران" للكاتب الجزائري الحبيب السايح،هذه الرواية قاربها نور الدين بلكودي من زاوية محكي الألم والاغتراب ، وأكد على أن هذه الرواية تسلط الضوء على القهر الذي عرفه المجتمع الجزائري في السنوات الماضية، وانطلاقا من العنوان يمكن القول إن هناك إشارة لتيمة الموت وهذا أيضا ما يوضحه مصير بطل الرواية الهواري حيث عاش تجربة الموت بصورتين متناقضتين، موت الأب وغياب قبره ثم موت الأم ، وفي الأخير أشار بلكودي إلى أن الكاتب في هذه الرواية يريد أن يقول إن الموت في وهران واحد لكن صوره متعددة. في نهاية هذا اللقاء ، وبعد نقاش مفتوح مع الكاتب عبد الرحيم بهير ، تحدث هذا الأخير عن مجمل تجربته الروائية متوقفا عند زحف الأزقة التي يتقاطع فيها الذاتي بالتاريخي بالفني ، مع التأكيد على الدارالبيضاء وتاريخها .