لا تكترث له أيها الليل و ألفظه كبزرة العنب أو عظم تمر ، دعه يغني كما يشاء ، دعه يرقص على نقيق الضفادع ، أو يسابق الريح ، أو يلاحق الخفافيش . دعه أيها الليل هائما يعالج جروحه و يكتم صرخات الألم داخله. دعه عنك . إنه مجنون و حسب .. - تكلم أيها القمر .. من أنا ؟؟ قولي أيتها النجوم من أنا ؟؟ أجيبوني و لا تصمتوا هكذا كالأموات .. كالتماثيل الفرعونية .. من أنا.. من أنا ..؟؟ دعه يصرخ . دعه يمثل دور هتلر : - أنا زعيم النازية و لا شك .. أنا سيد العالم . ستدين لي كل الشعوب و تخضع لسلطتي كل الأمم .. و أعود إلى اليهود أحرقها من جديد .. ها.. ها.. أجل أنا هتلر .. أنا سيد العالم .. مجنون يهذي بكلام فارغ ، يحاور نجوم الليل و يرقص تحت ضياءها .. - سأكتشف لكم عما قريب عالما جديدا ، أرض أخرى . أرض يكون فيها الحب قانونا و العقل سيدا . يكون فيها الصديق صديقا ، و يكون فيها الأخ أخا ، و يكون الأمن و السلام .. و كما اكتشفت أمريكا لابد سأكتشف هذه الأرض .. لابد سأكتشفها … - أتبحث عن شيء ..؟؟ نظر إليها كمن لم يفهم ثم التفت عنها إلى كتبه يتصفحها بشيء من العصبية .. دنت بارتباك و سألت من جديد : أتبحث عن شيء ما ..؟؟ - أنا .. لا .. لا أبحث عن شيء .. لماذا ..؟؟ - لأنه يبدو في عينيك .. - عيني .. ؟؟ - إنك تبحث عن شيء ما .. ما ليدك ترتعد.. أتخاف أن تهزأ بك عندما تبسط أمامها دواخلك . أتخاف أن تقول إنك جننت و إنك بحاجة إلى طبيب .. كثيرا ما تكذب العيون .. - إذن ما بك ..؟؟ إنها تصدمك من جديد بسؤالها و توقف نبض قلبك ، لما لا تجبها علها تساعدك .. - أتبحث عن قلمك ..؟؟ - جفت الأقلام من زمن و انسكب الحبر على القلوب .. هروبك لا يفيد شيء ، فنظراتها تلح عليك بالسؤال ، و تطوقك من كل جانب مثل قيد من حديد .. - ماذا تريدين أنت الآن ..؟؟ - ما بك ..؟؟ - ليس بي شيء .. - كيف و أنت تبحث هكذا كمهووس .. - هل بالضرورة أن يكون هناك شيء حتى أبحث عنه .. كثيرون يبحثون ولكن عن لا شيء .. ممعن في هروبك و هي ممعنة بنظراتها الجارحة في تعذيبك .. قل لها الحقيقة قد تساعدك .. - كيف تجدينني ..؟؟ - في ماذا ..؟ - في كل شيء .. - أنت أدرى بنفسك .. ذبحتك بسيف صدئ و زادت من عذابك .. قل لها إنك عنها تبحث و لكنها قالت لك : أنت أدرى بنفسك .. - أتعتقد أنك ستجد ما تبحث عنه بين هذه الكتب المهترئة ..؟ - ربما .. - ربما ..؟؟ - قد تكون هنا أو في أي مكان آخر من هذا العالم المسموم .. يبدو أنها لم تفهم عنك شيئا . ألا أوضحت لها ما تريد . وقلت : إنك تبحث عن الشمس التي تنير ظلمة ليلك ، تبحث عن الفانوس السحري الذي يقلب حياتك ..اسألها كما سألت الليل و النجوم و القمر : من أنا ؟ قد تجيبك أو تقول لك : أنت أدرى بنفسك .. - بابا .. هل أنت مريض ..؟؟ - أنا غير موجود .. حدثه بما يفهم و لا تقل له ألغازك وهذيانك .. - أنا يا بني .. سراب في صحراء قاحلة ، وهم و خيال .. أنا كتلة من العدم .. أنا .. لا شيء .. ألم أقل لك أيها الليل إنه مجنون يهذي بكلام مبهم فدعه يحاور الصمت و يرقص على نقيق الضفادع ، أو يسامر الخفافيش .. إنه مجنون فقط .. - سأبني لكم مدينة فاضلة يكون الحب نورها و الأمن هواءها و العقل قائدها و الكمال غايتها .. - إلى متى ستظل تبحث ..؟؟ - إلى أن أجد نفسي .. و لكنها قالت لك يومها أنت أدرى بنفسك .. أفتعيدها عليك من جديد : أنت أدرى بنفسك .. اسمع أيها العدم حتى هذا الليل الذي سهرته و هذه النجوم التي رقصت تحتها و هذا القمر الذي قبلته و تلك الخفافيش التي سامرتها تقول لك أنت أدرى بنفسك .. فماذا تريد ؟؟ - أريد نفسي .. أريد نفسي .. - و لكنك مع الأسف أدرى بنفسك .. أنت أدرى بنفسك .