ظلالُ النخل السامقة خيالاتٌ توقظ بأعماقي فنون الجنون.غبارُ الساحة يغمرُ وجهي فيضعُ رداء شفافا على وجه القمر، تسللتُ حتى ابتلعني شففُ الظلام . خلوتُك طبق شهي.فاغنم من زمنك قبل فوت الأوان.. وحدها أفكاري تُملي علي ما أقول،تتعقبني،تُشردني، تُقعدني ُمستويا أتنصتُ لهمس الليل ولأشياء أخرى في العمق تظل مدسوسة. يمكن أن نكون جلسنا مرارا في هذا المكان ومن نفس الجهة التي يطلعُ منها القمر يغمرُ أعيننا البريئة..فتسيل أنوارهُ خيوطا فضية صنعتها عناكب السماء. شهد الله أنه القمر، شهد الله أنه كان موجودا، ونجومُ الليل نثارُ تبرٍ على طبق من رماد ، الكواكبُ مصغيات.. هذا وقتك فاغنم منه قبل فوات الأوان.. فما لهذا القمر يتعقبني عنوة ؟ أهربُ منه فتُلاقيني به فروجُ النخيل..كأنه مدسوسٌ هُناك،قريبا هنالك خلف الشجر.. يسحرُني فأرى ما أرى.. كأن شمسا نسجت لعيني رداء ذهبيا أغرقني من رأسي حتى أخمص الأقدام، وما إن رفعتُ حتى تدفق سائلٌ دافق يغشاني كأنه شلال حميم. دخلني_توا_عبر مسام العبور، الفضيُّ المجنون يسبرُ أغوار أعماقي ليلا في سكون هادئ. والمسامُّ مفتوحة على عرضها.. أتلقفُ نوري كمائدة نزلت علي من سماء الصبيُّ الصغيرُ فيَّ يحجبُ بأصابعِه وجه السماء كي لا أرى وجه القمر. وإذا الدوامة دوامات.. يا الهي! كل السماوات تغطيني بسؤالاتهااللامتناهية ،سرابيلُ المجرات والنجوم والكواكب ِمْلكُ يدي .واللحظات تتنامى فيَّ كبرعم الشتاء. وتُحوِّلُ كلَّ نظامي إلى فوضى عارمة. صار الآن يرشقني بهمساته الوضاحة.. هنا الفوضى وهنا الغرق ! أولد برعما جديدا بين أحضان المجرات، أباشرُ السماء كأني ملاك أتربعُ عروشها الخالدة ، وحدتي في الوجود تنشطرُ كأنما يتولَّدُ فيَّ كوكبٌ غريب ،حركاتُه تُعاكس حركات كل النجوم وكل الكواكب.وانشطاري على تعددي يتوحَّدُ كما لو كنتُ أنا الكونُ بأكمله. فأين يبتدأ الكونُ مني وأين ينتهي؟ في لحظة ما..في ليل ما.. في برهة ما..كان ما كان.. ثم كنتُ بُرعما يتمسك بشرارة النار. بصعق لذيذ تعلمتُ أن النار داء ودواء. فأخذتُ أول سُوري من التنزيل. ولا كنتُ نبيا... لحظةٌ من ليل تلتهمُ كل مسراتك وتبقيك على حيرة من أمرك طول الحياة.. وأنت أيها القمرُ كيف تتشربُ صفاء ليلك وتتشهى لونك العالي ينحدرُ مرسلا إليَّ نور الهُدوء .. أيها الجاسوس في أسحار الليل، تسبق الهدهد في سبر أغوار المجهول وتأتي إليَّ بالخبر اليقين. بلقيسُ..أتنازلُ لك عن عرشي.. فما حيلتي أن تتشهاني غياهبُ الأدغال ويترصَّدُني ذات ليل لونكَ البهيّ، وآه لو يراني وقد رآني حينها كنتُ في حيرة من أسمالي الممزقة. بلقيسُ.. بداخلي شخصٌ يتمزقُني لا أعرفُه ويُحدث الفوضى، هو شخص مُتمرد ومجهول، أبحثُ عنه بعناء قال لي الناس لا تجهد نفسك أكثر مما مضى، العثور عليه مستحيل، إلا في ركن من وجدان حيث يُضَوِّءُ المرءُ نفسَه بنور من شمع هادئ أو يستدفأ من موقد عتيق نارُه اللطيفة تحيي رميم العظام.. أو قمرٍ في لحظات ميلاد ثم يعود لتوه هاربا.. أنت لا تعرف كم هي اللحظة جميلة سرُّها في كونها شديدة الغموض وسري_أنا_ في أنني أشدُّ منها غموضا_ لا أدري إلى أين ستسيرُ بي مجاهلُ الأدغالِ تلك ؟. المرءُ يكتشف ذاتهُ في بعض اللحظات في جهله بشؤون أمره . وأنا قد طوقني جهلي كغابة "السافانا" العبورُ منها بلا حيطةٍ يُمزقُ الجسد ويحولك إلى شلالاتٍ من دماء ويغرقك في بِرَكٍ من وحل، ثم تخرج وقد وجدتَ نفسك قد سبحتَ في دمك ولا من يتوسل لسكان الغابة، بداوتُهم تجعل الأمر أكثر تعقيدا ،والجرفُ الهاري دخلتْهُ صَبية أخشى عليها من السقوط في كل لحظة، من شدة ما تتشبثُ بصخور النجاة بقدر ما ينهال عليها التراب من فوقُ فتتحرى النظر إلى أسفل الهاوية.. وأنا في حيرة من كل الأمور وإلا فمن ذا الذي بات بداخلك يترعرعُ في عنفوان شبابه كأنه سلطان مبين؟!