ليس في المستطاع قتل الأحلام مهما كانت ترسانة الأحزان ، في البدء كان الحلم وكان الإنسان حتى ولو كان غشوما ، فالحلم شعلة النور في العقل ، لا تخبو جمرتها يغذيها جموح الخيال ، الأبطال المسكونون بالأحلام غرقى في بحر النسيان ، وحده التاريخ من يحفظ أمجادهم في معارك ضارية . الحلم في بحر الزمان هو قلب الحياة النابض ، في العشق حلم بلقاء الحبيب على ضفاف شفاه عطشى متيبسة ، ترتوي من أول قبلة . الحلم بالقبض على زمن الانتصارات المؤجلة أبطالها حالمون بالوطن المسروق من طرف أشباح البورصات وقلاع المال والثروات القدرة الحلم تتابع لخطى أنهكها العدو خلف سارق الوطن ، الحلم وقوف الشجعان في وجه زعامات مغشوشة لا تتوانى في إجهاض الأحلام و فرض الولادات القيصرية . في زمن الحلم تأخذك الخيالات في اللامنتهى من النشوة حتى تتحرر الحواس من خوفها والألسن من لجامها ، تتعرى الحرية من كل غشاء ذابل ، و في زمن اليقظة يموت الحالم عند نصب الفردانية الهائجة ، يعلق على مشانق النفعية المستشرية . في اليقظة دمار شامل موجه بوسائل التحكم عن بعد ، لا مفر من وباء قتل الذات و إخماد نور العقل ، العقل هذا الجبار ما كان له أن توجهه الأحلام الوردية ، بل هو من سيخضع لمغريات التكنولوجيا القاتلة ، لا وقت للتفكير والتأمل في وظيفة الأشياء من حولنا ، لا فائدة من التذكر و الغوص في الأحلام ، لا وقت للسفر في المعاني و تثبيت بناء الذات الفضلى . الحرية و الكرامة والعدل والمساواة قد تكون مجالا للأحلام الجامحة ، لهذا سنحولها إلى قيم جاهزة ، يكفي تناولها على شكل أقراص معدة بمقياس للحد من جموح الخيالات الكاسح . تسيج الأحلام بكل أنواع مبطلات التأمل والتفكير ، و المسموح به هو الحلم بالانفراد بالأحلام و تهريبها إلى حظيرة الخيانات ، حراسها زعامات الاستصغار المتفننين في دك حصون الأحلام و تلطيخ كل لوحة مشرقة بلون السواد . فلا مناص إذن من الحلم ، هو ذا قدر الإنسان، فالتراجيديا تعلمنا بأن لكل مأساة بطولات حالمة ، فالحلم هو مبتغى العاشقين المتيمين بحب الحياة حتى النهاية . دمتم حالمين .