د.حبيب عنون باحث في العلوم الاقتصادية والاجتماعية [email protected] مما لا جدال فيه أن العدالة هي بمثابة مرآة تنظر وتقيم من خلالها الأمم مختلف جوانب رقيها أو عكس ذلك. وإذا اختلف اثنان في مقاربة تعريف مصطلح العدالة لاختلاف وتشعب زواياها، فيمكن تبسيط هذا المصطلح في عبارة تتداولها العامة وتكمن في " أنه لكل ذي حق، حقه". وإذا كان هذا المفهوم سلس في نطقه وفي مضمونه، فالعسر كل العسر يكمن في معاينته واليقين بكونه واقع معاش شمولي ومطلق لا ريب فيه. أعتقد أنه، بخصوص هذا الورش المهيكل والواعد، وجب الوقوف على بعض النقط الأساسية والتي يمكن حصرها فيما يلي: أولا، الظرفية التي نصبت فيها الهيأة التي أناط بها عاهل البلاد، برئاسة السيد الرميد وزير العدل والحريات وشخصيات بارزة مشهود لها باهتمامها وبنضالها عمليا وعلميا في هذا المجال، مسؤولية بلورة إطار جديد لمنظومة العدالة في المغرب. إطار قادرعلى المزج بين الخصوصيات الأخلاقية المغربية وبين مختلف المواثيق الدولية المصادق عليها أمميا. ويتأتى هذا المنعطف في مجال العدالة تماشيا وتفعيل مقتضيات دستور 2011 المؤسس لمبدأ المسؤولية والمحاسبة في مجال تدبير الشأن العام وكذا تفعيل مطلب ضمان كرامة المواطن المغربي التي كانت من بين المطالب الأساسية الشعبية التي استجاب لها عاهل البلاد ضمن خطاب 9 مارس. ثانيا، لقد لمس المواطن المغربي أن المصطلح الذي تم التنصيص عليه هو مصطلح العدالة لما يرقى به هذا المصطلح عن مصطلح القضاء من زاوية اتساع مضمون المصطلح الأول مقارنة مع الثاني. وبالتالي فورش الاصلاح لا يستهدف إصلاح مجال القضاء فحسب لما شهده من تشنجات بين فعالياته، ولكنه يستهدف كذلك تجاوز السلوكيات السلبية وتارة المبهمة التي كانت قائمة بين المواطن ومجال القضاء. فاستعمال مصطلح العدالة يعكس الرغبة في إعادة الثقة أو نوع من "التصالح" والانسجام بين الفعاليات القضائية وفي نفس الوقت بين هذه الفعاليات ومحيطها المؤسساتي ومن خلاله المواطن المغربي. ثالثا، كما كان في حياد الفعاليات السياسية من ضمن مكونات هذه الهيأة، إشارة موضوعية وجدية أريد من خلالها إبراز المنحى الذي يرغب في أن تتحلى بها منظومة العدالة في المغرب بمعنى منظومة مصاغة بفعاليات مختلفة ومتعددة الخلفيات بعيدة عن الحساسيات الحزبية لتخلص الهيأة إلى تصور يتجاوز في مضمون مقتضياته البعد السياسي التي تبقى غالبا "لمساته" متسمة بصبغة تمويهية تتطلب لتفعيلها اجتهادات قد تكون صائبة وقد تكون غير ذلك. التساؤل الذي وجب طرحه إذا يكمن في قدرة هذه الهيأة على إبداع ميكانيزمات أو آليات مؤهلة لضمان استقلالية الجهاز القضائي لكون هذا التساؤل هو من بين الرهانات الاستراتيجية والمنتظرة من طرف المواطن المغربي والفعاليات ذوي النيات الحسنة لانجاح عمل الهيأة. أم أن المسألة قد تتجاوز المقتضيات لتصطدم بالبعد الاخلاقي البشري والعلاقاتي والسلوكيات السلبية التي مما لا شك فيه كانت من بين العناصر التي أدت إلى حتمية فتح هذا الورش الاصلاحي الواعد ؟ رابعا، وجبت كذلك الملاحظة إلى أن المنهجية المعتمدة في إصلاح ورش العدالة هو شبيه بالمنهجية التي تم اعتمادها خلال التعاطي مع مشروع الجهوية الموسعة المغربية من خلال تبني المقاربة التشاورية كسبيل حضاري جد متقدم بين مختلف مكونات الهيأة وبين هاته والفعاليات المشكلة لمحيطها قصد إشراك الكل وفي نفس الوقت إلزام وإشراك الكل في تفعيل نتائج ما سينجم عن مشاورات هيأة إصلاح العدالة في مغرب الكل. بل أبعد من ذلك هو ما يجب استنتاجه من التزامن بين الانتهاء من عمل هذه الهيأة والتوقيت المرتقب للاستحقاقات الجماعية والجهوية التي من المحتمل أن تتم خلال نفس الظرفية. خامسا، من الأكيد أن الفعاليات التي أهلت لإنجاح هذا الورش الذي يعتبر، بعد دستور 2011، الأرضية الحاسمة في تطور البلاد ونموها، لها من الخبرة والأهلية ما يجعلها تتجاوز تلك المنهجية المتهالكة والتي أبانت عن عدم فعالياتها وجدواها لانعدام تناغمها والمحيط المعتمدة فيه أي تلك المنهجية التي تقتصر على استنباط نموذج معين والاقتصار على استنساخه قصد تفعيله في المغرب. ففعاليات هذه الهيأة كما أشرنا إلى ذلك أعلاه هي فعاليات وطنية وغيورة على رقي هذا البلد وستسعى من دون أذنى شك لإبراز مؤهلاتها من خلال ابتداع وابتكار منظومة متميزة لعدالة مغربية الجذور والأسس ومتماشية والمفهوم الكوني للعدالة. سادسا، لا يجب تبني رؤية ضيقة اتجاه ورش إصلاح العدالة في المغرب بمعنى أنه لا يجب الربط بينه وبين حزب أو شخص معين، ولكن الرؤيا الجدية والموضوعية هي تلك المتخذة من هذا الورش ورشا وطنيا ومجتمعيا لا حزبية ولا شخصنة تكتسيه ولا أعتقد أنه ثمة ذرة للشك في عدم بلوغ أهدافه لكونه مؤطر بإرادة سياسية استجابت لإرادة شعب مغربي متشبث بوطنيته وبملكه ودينه ويعي كل الوعي ان تقدم البلاد ونموها لا سياسيا ولا اقتصاديا ولا اجتماعيا ولا ثقافيا ولا حقوقيا هو رهين بضرورة المشاركة في نجاح هذا الورش والذي يعتبر من إحدى أبرز ركائز التنزيل والتفعيل القويم لدستور 2011 دستور الكرامة والعدالة والمساواة والتعددية أي دستور متضمن في ثناياه منظومة عدالة تلي لكل ذي حق حقه متجاوزة للإقصاء والطبقية والزبونية. سابعا، وجب الاعتراف بكون ورش إصلاح مجال العدالة هو من بين الأوراش التي تتمنى شعوب كل الدول ليس فقط في فتحه ومعالجته وإنجاح تفعيله. وإذا نجحت نضالات بعض الشعوب في ذلك، فما زالت شعوب أخرى تعيش السلبيات المتعددة والمختلفة لغياب العدالة بسبب غياب الارادة السياسية لمدبري شأنها العام. فبفضل يقضة وفطنة الشعب المغربي الوطني واستماتته لإنجاح أوراش القضايا المصيرية لبلده وحفاظا منه على الاستثناء المغربي مستندا في ذلك على التوجيهات الحكيمة لضامن وحدة البلاد ومتجاهلا لكل ما من شأنه أن يزرع الفتنة والبلبلة الجوفاء في مخيلته قصد إبقاءه في قبضة الاحتقان الاجتماعي والصراعات الهاوية، فقد استطاع المغرب، بافتخار واعتزاز مواطنيه أولا، وبشهادة جل الدول المتقدمة، على المضي بثبات يقين ورزين على تخطي خطوة تلو الخطوة ليبلغ في هذه المرحلة، وبجرءة وإرادة ثابتتين، خطوة ضرورة إنجاح ورش إصلاح منظومة العدالة. إنه مسلسل إصلاح ورشات وجبت لتخطيها تبني الحكمة والتضامن والتآزر والنقاش البناء الايجابي بين مختلف مكونات الشعب المغربي مترفعا في ذلك عن الايديولوجيات الهدامة وتجاهلها والتصدي لها قصد إنجاح كل خطوة من هذه السلسلة المتتالية والمتماسكة والتي بإنجاحها ستقود هذا البلد إلى ما يرضاه له ضامن وحدته وشعبه بجعله في مصاف الدول المتقدمة التي تتنافس بينها بخصوص مستوى رقي منظومة عدالتها الضامنة والمزكية لرقيها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.