هذا المساء تذكرتُ جدتي رحمها الله , كانت إمرأة أمازيغية شماء , لا تفقه من اللغة العربية إلا كلمات قليلة جدا , و كنتُ أجِدُهاَ فريدة متفردة بكل شيء , كانت أمي توصينا بها خيرا ... و لطالما سمعت أمي تقول لنا أن غضب الجدة سينعكس سلبا على حياتنا في المستقبل , لذا وجب علينا طاعتها في كل شيء ...شخصيا كنتُ أهابها , أخشاها و أخافها....كنتُ أراها ألهة لا يجب الإخلال بالإحترام الواجب لها ....و في الحقيقة كان تقبيل أبي ليديها الكريمتين يزيد من إحترامنا لها ....أتذكر كيف كانت تجود علي بعشرة سنتيمات كل صباح و كيف كانت تخرجها بتثاقل شديد من سُرة يفوح منها عبق القرنفل ....و كنتُ قبل أن أغادر حضنها الدافئ تذكرني ألا أقول لأحد مهما علا أو قل شأنه أنني أملك عشرة سنتيمات ...ربما كانت تحسب ذلك ثروة قد تثير أطماع الكثيرين ...كانت تسألني عند عودتي من المدرسة أو كلما إلتقى وجهي بوجهها الوضاء : من أنا ...و من أكون...و لماذا أصرخ ...فكنتُ أجيبها أنني رضوان إبن ولدها محمد و أنني لا أصرخ ...فتنظر إلي بنظرات متقظة ثم تلقي على مسامعي جملا بالأمازيغية تتفاوت درجة حدتها و كيفية نطقها ...و رغم أني لا أفهم ما تقوله إلا أنني كنتُ أبوس جبهتها الناعمة فوق الوشم تماما ثم أقبل يديها و أنصرف....هكذا... دون معرفة هل ما قالته لي في صالحي أم ضدي ...و كانت رحمها الله تنتقي أوانيها و ملابسها بكبرياء أمازيغي خارق ....كانت تصلي جالسة ...وتنام جالسة ...ولما إكتشفت قصة نومها جالسة أفشيت أمرها لأبناء الحي ...فكنا نأتي فرادى و حشودا لرؤية هذا المنظر الغريب عنا....حتى جاء اليوم الذي لا ريب فيه... دخلنا متسللين نحو غرفتها فلم نجدها .....أدهشني الأمر...... و في المساء لما سألت أمي قالت لي أن جدتي سافرت إلى السماء ...فبقيتُ أياما عديدة أمطر أمي بالاسئلة كيف سافرت... ومتى ستعود... ولماذا لم تأخذنا معها إلى هناك... وبعد مدة قالت لي أختي إنها ماتت... فقلتُ لها ما معنى ماتت ؟