وحدها قنينة الغاز امتلكت الشجاعة، ولم تتحمل الاهانة ، وانفجرت في وجه المدرسة المغربية ..أما نحن فقد تطبعنا مع الصمت وتعايشنا مع الغاز المتصاعد لأدمغتنا بعد أن أحكموا بإتقان إغلاق كل المنافذ كي لا يتسرب .. وحدها قنينة الغاز المنفجرة في مدرسة سيدي عبد الرحمان بالدار البيضاء، كانت الأبلغ في فضح بؤسنا التعليمي، وكانت الأكثر جرأة في تصوير يوميات مدرسة عمومية بكل التفاصيل الحارقة ، والتي إن لم تحرق ذاك الصباح التلاميذ الأبرياء، فقد أحرقت الأمل في الإصلاح الموعود وبخرت ما تبقى من ماء وجه مدارس الفقراء .. وحدها قنينة الغاز كانت دقيقة في تشخيص المرض ومدى انتشار السرطان الخبيث ، واختصرت كل الكلام الخشبي وكل البرامج الاستعجالية والمواثيق الإصلاحية والخطب والمذكرات الوزارية في صيحة واحدة و مدوية ،و أعلنت رسميا موت المدرسة العمومية .. الآن فقط فهمنا لماذا كان وزير التربية الوطنية المحترم واثقا من نفسه وهو يلعن علانية الرئيس أوباما "باباه"، ويتهكم على المدارس الأمريكية ..من قال يوما بأن المدارس الأمريكية أحسن من المدارس المغربية ؟؟ هذا اعتقاد خاطئ ، صححه لنا الوزير مشكورا وأكدته لنا بالنار والانفجار والذعر قنينة الغاز المتمردة.. هل تتوفر المدرسة الأمريكية رغم كل تجهيزاتها التقنية والمعلوماتية المتطورة على قنينة غاز واحدة في حجرة للدرس ؟ وهل تمتلك الأطر التربوية لأمريكا بلد الحريات والديموقراطية ، حرية الطبخ داخل فصل مدرسي ، و الحق في الولوج إلى المدرسة بقنينة غاز، والحق في إعداد الوجبات الشهية والأكل داخل أقسام الدراسة ؟ .. معذرة سيدي الوزير ، كنت على حق ، فلا شبيه لمدارسنا وحريتنا ، لا في أمريكا ولا في الصومال ..نحن أول بلد في العالم يكتشف دور الفطائر الساخنة في تفجير الطاقات الإبداعية للمعلم، و في تعليم التلاميذ خصلة الصبر والتحكم في شهوة الطعام رغم مشاهدتهم اليومية للسندويشات الشهية لمعلميهم ..نحن البلد الوحيد في العالم الذي يعتبر قنينة الغاز جهازا بيداغوجيا حيويا ، ووسيلة من وسائل التحصيل المعرفي وتنمية القدرات الذاتية والنفسية للتلاميذ ..نحن البلد الوحيد الذي لا تتوفر مدارسه على وسائل الإطفاء رغم أنها مجهزة بكل مسببات الاشتعال.. لا ألوم المعلمة العاشقة للمسمن على طبختها المتفجرة، و أتفهم أن يضطر معلم أن ينقل معه أدوات المطبخ للفصل، لينعم بشراب ساخن يعدل مزاجه بعد حصة تعليمية في قسم مكتظ في مدرسة بدون مقصف .. وأتعاطف مع كل المعلمين المنسيين الذين يضطرون للأكل والمبيت والحلم والحب في قسم مهجور في شبه مدرسة في القرى النائية والمهمشة .. ففي ظل غياب أدنى شروط الممارسة التربوية ، وغياب بنايات مجهزة تحفظ كرامة التلميذ والأستاذ ، لا يملك رجال ونساء التعليم إلا الانفجار بقنينات الغاز من أجل كأس شاي ساخن .. فبدل أن ننخرط جميعا في جلد معلمة تحب المسمن والشاي ، و لم تجد إليهما سبيلا داخل مدرسة بقلب مدينة كبرى ، علينا أن نحاكم المسؤولين الحقيقيين عن تخريب مدرستنا العمومبة وتحويلها إلى مجرد بنايات بواجهات ملونة بشعار مدرسة النجاح.. مدارس بلا حسيب ولا رقيب ، بلا تجهيزات ، بلا مناهج ، بلا قانون ،بلا نظام ، بلا قيم ، بلا أمل، وبلا مستقبل .. مدارس لخص وزير التربية وظيفتها في ضرورة البحث عن رجل لطفلات السادس ابتدائي ، لهذا ربما فكرت معلمة مدرسة سيدي عبد الرحمان في الإسراع في تطبيق المخطط الاستعجالي للوزير و تقديم دروس تطبيقية في إعداد المسمن للزوجات الصغيرات ..