اول امس قضى شيوخ السلفية الجهادية الليل في بيوتهم بين افراد عائلاتهم بعد تسع سنوات قضوها وراء القضبان، بأحكام قضائية قاسية صدرت في المناخ المتوتر لما بعد احداث 16 ماي .فرغم ان الكتاني والحدوشي وابو حفص اعتقلوا قبل تفجيرات الدارالبيضاء المرعبة، فإنهم حوكموا بمقتضى تداعيات هذه الأحداث على آراء مساندة للقاعدة في حربها المقدسة على امريكا، لهذا حوكموا وفق ما خطط له الجنرال القوي انذاك حميدو لعنكري، ونفذه وزير العدل الراحل محمد بوزوبع. الخطة كانت ترمي الى تجفيف ينابيع الفكر السلفي الجهادي أو المرشح ان يكون جهاديا، ورمي كل من يشتم فيه رائحة السلفية في السجن الى أشعار اخر، وفي نفس الوقت تم استعمال هذا الملف من اجل محاصرة حزب العدالة والتنمية ووضع الاسلاميين في سلة واحدة تحت شعار ليس في القنافذ املس . كانت الأحكام جاهزة قبل انطلاق المحاكمات السريعة التي نصبت لشيوخ السلفية الجهادية واتباعهم، وجرى الخلط المتعمد بين من لطخت ايديهم بدماء الأبرياء، وبين من يحمل فكرا دينيا متشددا وبين من يؤيد اسامة بن لادن ويناصب العداء لامريكا. لم يجري الانتباه الى ان ليس كل من عارض ويعارض سياسة امريكا في المنطقة متطرفا، وليس كل متطرف جهاديا، وليس كل جهادي إرهابيا ... دارت العجلة وخرج بوش من البيت الابيض، بوش صاحب مقولة من ليس معنا فهو ضدنا وصاحب نظرية الحرب الصليبية على القاعدة. جرت مياه كثيرة تحت الجسر ومع ذلك لم تقتنع السلطة في المغرب ان المقاربة الأمنية لوحدها ليست وصفة جيدة لمحاربة الفكر الديني المتطرف والذي زادته خروقات حقوق الانسان والمحاكمات الصورية تطرفا وراديكالية. ظل الملف مغلقا الى ان جاء الربيع العربي وخرج الشباب الى الشوارع منددين بالفساد والاستبداد وإهانة كرامة الشعوب. سقطت ورقة التوت التي كان الحكام العرب يغطون بها عورات خروقات حقوق الانسان في بلدانهم بدعوى اما نحن او الخطر الاصولي. صارت المدام هيلاري كلينتون تعلن من واشنطن ان بلادها لا تخشى الملتحين، وان امريكا شفيت من داء الخوف من الاسلاميين، وأنها ليست فقط مستعدة للقبول بهم في السلطة، بل مستعدة للتعاون معهم شريطة ان يصلوا الى الحكم بطريقة ديمقراطية، ويالها من طريقة سهلة سالكة بعد ان لم يعد في الساحة العربية من ينافس الإسلاميون على ثمرة السلطة التي نضجت على مهل وتدلت بين ايديهم بسهولة كبيرة. الان امام شيوخ السلفية الجهادية طريق طويل لمراجعة قناعاتهم المتشددة والتي ولدت في مناخ غير المناخ الحالي، والاختيار بين الدعوة الى الاخلاق بالتي هي احسن، او ممارسة السياسة كما يفعل إخوانهم في العدالة والتنمية داخل حزب سياسي ووفق قواعد المنافسة الديمقراطية على جزء من السلطة. فالسلفيون في مصر أسسوا حزبا سياسيا وبدؤوا يتكيفون مع اكراهات الواقع ويخرجون من ثقافة الخلايا السرية الى مقتضيات العمل فوق الارض، ومن رفع سقف المعارضة لإحراج النظام الى البحث عن حلول لمشاكل الناس حتى ينالوا اصواتهم..لقد سمعناهم يعلنون استعدادهم للقبول باتفاقية كامب دايفيد مع اليهود، بعد ان قتلوا السادات سنة 1981، لأنه وقع اتفاقية صلح مع اسرائيل. التطرف نزعة موجودة في كل الأديان والبلدان والقارات، وهو في الغالب جواب خاطئ على مشكل صحيح، لهذا وجب علاجه بالإدماج وليس بالقضاء، بالدواء وليس بالعمليات الجراحية، بالسياسة وليس بعصى جنرال قضى كل حياته في غرفة عمليات التجسس والمؤامرات.