جاء رئيس الحكومة الإسبانية، ماريانو راخوي، إلى المغرب مبتسما فاتحا ذراعيه، مدفوعا برياح الأزمة الاقتصادية في بلاده، يطلب فتح صفحة جديدة في علاقة مدريدبالرباط.. علاقة تتكلم لغة واحدة.. لغة الأرقام والاستثمارات ومعدلات التبادل التجاري وعناوين الشركات وأسماء الماركات... مرحبا بالحزب الشعبي الإسباني في بلادنا، والذي كان دائما مصابا بحساسة مفرطة تجاه المغرب، وخاصة عندما يكون في المعارضة، حيث لا يرى في الجار الجنوبي سوى مهاجرين سريين وعلنيين يعبرون المتوسط، وأطنان من المخدرات تسبح فوق الأمواج، ومطالب مغربية باسترجاع سبتة ومليلية والجزر الأخرى المحتلة... لغة المعارضة تختلف كثيرا عن لغة الحكومة، ودولة الرفاهية تختلف جذريا عن دولة الأزمة الاقتصادية. لا بأس، فكما يقول المغاربة في مثلهم الدارج: «وقت ما جاء الخير ينفع». في المغرب اليوم هناك أكثر من 800 شركة إسبانية تعمل وتنتج وتربح، وهناك أكثر من 20 ألف مقاولة إسبانية تصدر من شبه الجزيرة الإيبيرية منتوجاتها إلى المغرب، وهذا ما أكده راخوي نفسه أمس في الرباط، إذ أعلن أن إسبانيا أصبحت أول شريك اقتصادي، بعد الاتحاد الأوربي، للمغرب، وأن الصادرات الإسبانية إلى المملكة الشريفة ارتفعت هذه السنة بحوالي %40، وهو رقم كبير يعكس تحولا استراتيجيا للفاعلين الاقتصاديين الإسبان، الذين يرون في المغرب فرصة كبيرة للاستثمار وللإطلالة على قارة بكاملها اسمها إفريقيا... استفادتنا نحن أقل من شريكنا الإسباني نظرا لضعف تنافسية مقاولاتنا في الداخل، فما بالك بالخارج، ولأننا أصبحنا بلاد «تستورد كل شيء»، ولم نعد نصدر سوى السلع الرخيصة والمواد الأولية إلى الأسواق العالمية، ومع ذلك فإن علاقتنا بالجار الإسباني مربوطة بالتاريخ حلوه ومره، وبالجوار الجغرافي المتعب أحيانا، وبالكثير من العقد وسوء الفهم، لكن هناك حوالي 800 ألف مغربي يعيشون في إسبانيا، ويدرس أبناؤهم هناك، وتعيل تحويلاتهم أسرا مهمة هنا. نعم، تضرر هؤلاء كثيرا من الأزمة الاقتصادية التي حولت أكثر من %60 من الشبان المغاربة هناك إلى عاطلين عن العمل، ودفعت بالآلاف إلى مغادرة إسبانيا نحو المغرب أو دول أوربية أخرى. ومن أجل هؤلاء، لا بد أن يتحدث بنكيران، رئيس الحكومة، بصراحة مع راخوي حول ضرورة أن تشمل حلول حكومته، لمواجهة آثار البطالة القاتلة، المغاربة هناك الذين عملوا لعقود من الزمن في أوراش البناء وفي الأشغال الشاقة وفي إنعاش السياحة، وساهموا في صناديق الاحتياط الاجتماعي، ولا يعقل اليوم أن يجدوا أنفسهم ضحايا أكثر من الإسبان أمام سكين الأزمة الذي وصل إلى اللحم الحي... لغة الأرقام والمصالح كثيرا ما كانت أسرع لغة للتواصل، وأفضل مناخ لعلاقة سياسية ودبلوماسية صحية، ولهذا لا بد من الاستمرار على هذا الطريق، وإزالة كل الأحجار الموجودة في حذاءي البلدين. نزاع الصحراء يجب أن يخرج من أجندة إسبانيا تجاه المغرب، وأن يترك هناك على بعد 6000 كلم في أروقة الأممالمتحدة الزرقاء بنيويورك. سبتة ومليلية والجزر المحتلة يجب أن تدخل إلى غرفة مكيفة لحوار استراتيجي «بدون بوليميك» أو مزايدات انتخابية أو شعبوية... هناك عدة حلول لهذا الملف، منها السيادة المشتركة على المدينتين، أو سيادة المغرب وتفويض التدبير والإدارة لإسبانيا في سبتة ومليلية، أو حلول أخرى. المهم هو ألا نجعل من هذا الملف لغما ينفجر كل لحظة ويرجعنا إلى نقطة الصفر. من جهة المغرب، يجب على الحكومة أن تحسن مناخ الأعمال وتصلح القضاء، وتمتنع عن الخلط بين إسبانيا الرسمية وإعلام إسبانيا، وبين المواقف الرسمية ونشاط المجتمع المدني، ثم علينا أن نغير سفيرنا في مدريد لأنه خارج التغطية، وأن نبعث سفيرا آخر يعرف المغرب