أكدت حركة ضمير أن اللحظة التي تعيشها بلادنا اليوم هي لحظة استثنائية على أكثر من صعيد، حيث يتأهب المغرب لاستقبال الموعد السياسي الأكثر أهمية منذ خمس سنوات. وستشكل الانتخابات التشريعية، حسب بلاغ للحركة آخر حلقة في مسلسل كامل يتضمن الانتدابات النقابية والمهنية والجماعية والجهوية، كما تلك المتعلقة بمجلس المستشارين. وإذا كان احترام المواعيد الانتخابية شيئا يجب تسجيل إيجابيته بجلاء كدليل على الوعي بأهميته في سياق البناء الديمقراطي، فإن ذلك لا يمكن أن يحجب عن أعيننا الظروف التي سيتعين فيها على المغاربة التعبير عن إرادتهم بعد أيام. وسجلت أن هذه الانتخابات تشكل تحديا حقيقيا للاعتبارات السياسية وتهديدا إضافيا لمسار البناء الديمقراطي الشاق في بلادنا. إذ هناك عناصر داخلية وخارجية تشكل اليوم عقبات كبرى أمام طموحنا للتنمية والانعتاق والازدهار الديمقراطي. وإن الوعي بتلك العوائق لمن شأنه أن يوفر شروط تجاوزها من أجل البحث عن الحلول الملائمة. أما التقليل منها أو تجاهلها فلن يؤدي إلا إلى المزيد من الإحباطات مستقبلا، إذ أن توجها كهذا قد يحمل في طياته نقيض طموحات بلادنا وهي تتأهب لاعتماد ميثاق وطني من أجل نموذج تنموي جديد تحت الإشراف الملكي، الشيء الذي يبعث آمالا لا تحصى لدى مواطنينا. ونبهت إلى ان المغاربة يتطلعون إلى مغرب أكثر ازدهاراً وعدلاً، وهم مستعدون لمراجعة علاقتهم المبنية على عدم الثقة تجاه مؤسسات معينة في البلاد، لكنهم يُطالبون في المقابل، كتعهد لتجديد الثقة، بتطبيق فعال وصادق وشامل للإصلاحات المعلن عنها. إن عوامل الخطر الخارجية التي تواجه بلادنا ترتبط أولاً بجائحة كوفيد – 19 وانعكاساتها المؤكدة على الأمن الصحي لمواطنينا وعلى النشاط الاقتصادي والتشغيل وعلى الحياة الاجتماعية والعلاقات الإنسانية وعلى الرياضة والأحداث الثقافية والترفيه واللحظات الاحتفالية… الخ، وعلى الحياة الديمقراطية عموما. هكذا، وإذ تنذر ذروة الموجة الثالثة بالإعلان عن نفسها في سياق عملية التلقيح المستمرة، فسوف يكون من الصعب بذل مزيد من الجهد في ظل أوضاع ما زالت لم تتوفر فيها المناعة الجماعية، وسيتعذر توفير ظروف آمنة للحملة الانتخابية، وبالتالي لن يكون من الممكن أن تتم الحملةُ وفقًا للمعايير المقبولة عالميًا في النظم الديمقراطية، وهو ما يشكل عائقا رئيسيًا أمام النقاش الشفاف والمتناقض بين التشكيلات السياسية المختلفة وعائقًا أمام التعبير عن الاختيار الحر للمواطنين، مما ينذر بمعدل للمشاركة أقل مما كان عليه في السابق. وهو الأمر الذي قد تبدو معه الديمقراطية المغربية أكثر ضعفا وهشاشة. من جانب آخر يشكل ظهور المغرب كقوة إقليمية، عامل مخاطرة خارجية، إذ أن إعادة اندماج المملكة في الاتحاد الإفريقي والدبلوماسية المغربية في إفريقيا جنوب الصحراء، وفي المنطقة الأورومتوسطية، وفي المنطقة المغاربية، وكذلك المواقف الاستباقية للمغرب في القضايا الجيوستراتيجية العالمية والدفاع عن السيادة المغربية في الأقاليم الصحراوية، ثم التعاون شمال/جنوب وجنوب/جنوب ، بما في ذلك مكافحة الإرهاب وتنظيم تدفقات الهجرة، ومحاربة الاحتباس الحراري وتطوير الطاقات المتجددة، واستمرارية الموقف الثابت في الدفاع عن القضية الفلسطينية وتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، أو البحث عن حل سياسي للأزمة الليبية: كلها نجاحات دبلوماسية للمملكة، يقابلها القلق من الحملات التشهيرية التي نظمتها بعض وسائل الإعلام الأجنبية وبعض المنظمات غير الحكومية والإجراءات العدائية لبعض البلدان في الجوار المباشر، تلك التي خاب أملها بسبب هذه النجاحات. أما عوامل الخطر الداخلية لبلدنا، تضيف الحركة فهي أكثر أهمية لأنها تضعف بلادنا من الداخل وتقلل من قدرتها على التعامل مع المخاطر الخارجية. فالمناخ السلبي الناجم عن سجن بعض الصحفيين أو المعارضين السياسيين، الذي يجب تجاوزه جماعيا بشكل إيجابي عن طريق التحديد الدقيق لطبيعته (هل هي قضايا حق عام أم قضايا حرية رأي؟) وفي احترام كامل لشروط المحاكمة العادلة، يشكل أول هذه التهديدات. كما أن الخطر الداخلي الآخر يكمن في عدم ثقة المغاربة تجاه الطبقة السياسية وكبار المسؤولين على رأس مؤسسات دستورية مكلفة بالحكامة والإدارات العمومية. ويصل فقدان الثقة إلى مستويات مقلقة بسبب الإحساس بالخذلان الذي يشعر به المواطنون تجاه من مثلوهم منذ الانتخابات السابقة المحلية والوطنية، سواء في البرلمان أو على مستوى السلطة التنفيذية والجماعات المحلية. وأبرزت ان القرارات الأخيرة الصادرة عن قيادات العديد من الأحزاب السياسية قبل أيام قليلة من الانتخابات التشريعية المقبلة تشهد على استمرار نفس المناخ السياسي وتكشف عن نفس السلوكيات، والأسباب نفسها تنتج نفس النتائج. لقد شرعت الأحزاب السياسية في التهافت على المرشحين في شكل ما يمكن تسميته ب "الميركاطو" الانتخابي حيث يتم تبادل المرشحين الرحَّل من كل الأنواع، ويتم تعميم "التحفيزات" المالية والغذائية قصد ربح الأصوات، وهي ممارسات غير أخلاقية وغير قانونية على حد سواء، وحيث يتم تفضيل رجال الأعمال وأصحاب المال على حساب ترشيح الأكاديميين والمثقفين وكبار المدراء التنفيذيين والناشطين. إنه وضع يمنع أي منافسة سياسية حقيقية بين الأحزاب ويؤدي حتماً إلى ضعف العرض البرنامجي المقدم للناخبين على مستوى: المرشحين، والأفكار السياسية، والبرامج، والمشاريع، وأساليب العمل والسلوك. وأشارت الحركة إلى وجود مخاطرة كبيرة في أن يتفاقم انعدام ثقة المواطنين في اليوم التالي للثامن من شتنبر ويؤدي إلى إضعاف أكثر وضوحًا للمؤسسات المنتخبة، فضلاً عن التشكيك في شرعيتها الشعبية ومصداقيتها السياسية. وعبرت الحركة عن أسفها لكون تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، وعلى الرغم من الاقتراحات الوجيهة والخطوات الجريئة الواردة ضمنه فيما يتعلق بالتحول الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لبلدنا، وهي الاقتراحات التي تدعمها حركة ضمير بقوة واقتناع، تعلن عن أسفها من طمس البعد السياسي من النموذج التنموي بامتناع التقرير عن تقديم اقتراح إصلاحات هيكلية تحكم إطار عمل الأحزاب السياسية. وفي هذا السياق، هناك قضية بارزة تتعلق بمدى فعالية المشتغلين في الحقل السياسي، الذين سيكونون في قلب تطبيق استراتيجيات الدولة والسياسات العمومية. فكلنا نعرف أن هناك اقتراحا بإنشاء آلية مهمتها التتبع والدفع بالمشاريع الاستراتيجية ودعم إدارة التغيير الموضوعة تحت السلطة المباشرة للملك، بالإضافة إلى وحدة التنفيذ على مستوى رئاسة الحكومة. هاتان الهيئتان اللتان يتوجب عليهما الاشتغال بانسجام وسلاسة من أجل تنفيذ السياسات العمومية استجابة لتطلعات المواطنين والفاعلين الاقتصاديين. بالطبع، هناك عزمٌ على تعزيز مبادئ الشفافية والبناء المشترك والمشاركة الواسعة والبحث عن الكفاءة لجميع المؤسسات المشاركة في إدارة شؤون الدولة. كما أن هناك تأكيدا على أولوية المبادئ الدستورية وفعاليتها والحرص على تطبيقها الصحيح من خلال القوانين والممارسات السياسية والإدارية وفقًا لنصها وروحها. لكن هل سيكون ذلك كافيا؟ إننا نعتقد بأن غياب الإصلاح العميق للمجال السياسي سيلقي بظلال من الشك على كل التدابير المتخذة. ودعت الأحزاب السياسية الرئيسية إلى الشروع في نقاش وطني دون إبطاء حول الموضوعات الأساسية التي تحكم إطارها التنظيمي ونطاق عملها، وهي المواضيع التي تتجاوز بكثير موضوع نظام التصويت والعتبة الانتخابية علما انه موضوع ثانوي. تتعلق هذه الموضوعات، التي كان ينبغي تناولها تمهيدا لاستراتيجية المغرب في أفق 2035 كما هو مثبت في مذكرتنا السابق ذكرها، والمتعلقة بالأداء الداخلي للأحزاب السياسية، وشفافيتها المالية، وتجديد طاقاتها وطريقة تعيين أمنائها العامين وفرق إدارتها، ومميزات هؤلاء وأولئك الذين يمثلون قيادتها، وحالات التنافي، وتضارب المصالح، ومراكمة الانتدابات وحظر استخدام المال أو الدين في الحملات الانتخابية، وتحديد ومراقبة النفقات المتعلقة بالحملات الانتخابية، وتقسيم الدوائر الانتخابية، إلخ. إن المطلب الملح للمغاربة بعد اعتماد النموذج التنموي هو تفعيل الوسائل الدستورية التي تسمح، من ناحية، باستبعاد المسؤولين عن فشل نموذج التنمية السابق ممن لا يزالون في دوائر السلطة لحد اليوم، من المشهد العام، ومن ناحية أخرى توفير الظروف لانبثاق جيل جديد من القادة السياسيين الذين سيكونون مسؤولين عن تفعيل الاستراتيجيات والسياسات العمومية، بكل أمانة، داخل الجهاز التنفيذي والتشريعي والإدارات العليا. وطالبت بإعادة قراءة متأنية للمادة 47 من الدستور، والتي تنص على أن " يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها". إذ يمكن اعتبار التطبيق الحرفي لهذا النص الدستوري في ظل الوضع القائم بمثابة ريع، وهو ما يدفع بتشكيلات سياسية معينة إلى استخدام جميع المناورات السياسية التي تتيح لها الوصول بأي ثمن إلى المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية. وتشكيل أغلبيات حكومية شكلية وغير متجانسة ومفككة، كما حدث في الولايتين السابقتين. كما اقترحت حركة ضمير على الأحزاب السياسية الأربعة الرئيسية المتنافسة على المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية المقبلة أن تتحلى بالتواضع والشعور بالمسؤولية، واستحضار ضعف الشرعية والمصداقية التي تحيق بالطبقة السياسية للأسباب المذكورة أعلاه، والعمل بكل ما أوتيت من قوة من أجل تشكيل أغلبية حكومية حول شخصية وطنية ذات قدرة قيادية قوية وكاريزمية تتماشى وتطلعات المواطنين وتحظى بثقة الملك. واكدت على استحالة قيام حياة ديمقراطية ذات مصداقية دون وجود أحزاب سياسية قوية تنافسية ومستقلة في قراراتها. إن كل تصرف يرمي إلى الحد من دور الأحزاب السياسية والمساس باستقلاليتها لمن شأنه تشجيع التوجهات الاستبدادية وتقويض التصور الجديد المؤسساتي والتنظيمي للوطن، والمتمثل في التكامل بين "دولة قوية" و"مجتمع قوي". ولفتت الحركة انتباه مواطنينا إلى الخطر الكبير الذي يهددهم اليوم، وهو التحالف الضمني والموضوعي بين العدميين: من جهة أولئك الذين يصمون آذانهم عن الإصلاحات التي نادى بها النموذج التنموي، بسبب من العمى الإيديولوجي، ومن جهة أخرى أولئك المستفيدون من الريع الذين يبذلون قصارى جهدهم لمنع هذه الإصلاحات من أن ترى النور خوفًا على مصالحهم. إذ بالإضافة إلى خطاب التبخيس المستتر والمعلن نجد التطبيق المضلل لتوصيات النموذج التنموي، الذي يعتمد النهج الانتقائي. وخير مثال على ذلك القوانين الإطار المعتمدة مؤخرا والمتعلقة بالإصلاح الضريبي وإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية، وكذلك القانون الذي يحكم الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع نجاعة أداء المؤسسات والمقاولات العمومية. إنها خير مثال على هذا الخطر. إنها تفرغ الإصلاحات المنتظرة من كل مضمونها بل تقوِّضها، إذ تترجم التوصيات إلى سياسات عامة بطريقة جزئية ومنحازة. وهل نحن في حاجة – والحالة هذه – إلى التذكير بأن تلك القوانين أقرتها الحكومة الحالية التي تجرأت على إعفاء ضريبي في قانون المالية لعام 2018، إعفاء أدى إلى خسارة مالية عمومية تجاوزت 400 مليون درهم في معاملة واحدة تتعلق برسوم التسجيل؟ وهل نحن في حاجة كذلك إلى التذكير بالفضائح المرتبطة بإفلاس مصفاة النفط المغربية "لاسامير" وقضية المحروقات ومجلس المنافسة، وكلها مواضيع تضيف بشكل كبير إلى مناخ الشك السياسي الذي هو بالفعل ثقيل بشكل كبير على المغاربة؟ واعتبرت الحركة أن التحدي اليوم يتمثل في شحذ شعور المواطنة بشكل قوي وفعال، وهو الأمر الذي لا ينتمي إلى فضاء النوايا بقدر ما ينتمي إلى مجال التصورات والتمثلات، لأن هذا الشعور يتم غرسه والعناية به وبناؤه بصبر وأناة، بلا كلل، بناء على ممارسات تبني الثقة بشكل عملي. فإذا تمكَّن من ستؤول إليهم المسؤوليات الحكومية من الارتقاء إلى ذروة المسؤولية التي ستُسند إليهم في اليوم التالي للانتخابات التشريعية، فإنهم سيكونون مطوقين بمسؤولية مقدسة تتمثل في صناعة الثقة المتجددة وسيكون عليهم المساهمة في إشاعة مناخ التعبئة العامة المتقاسَم وترسيخ الفخر بالانتماء للوطن، لا سيما بين الأجيال الشابة. وسيتعين عليهم خدمة المصلحة العامة والحفاظ على حياد الدولة ونزاهتها وعدم إيلائها أي قيمة لتأثيرات سلطة المال وتأثيرات الانتفاعيين. سيكون عليهم تطبيق القانون على الجميع في كل بقعة من وطننا دون أي امتيازات لأصحاب القرب من العائلة، أو التحالفات القبلية أو الحزبية، أو التقاء المصالح المالية، دون ذرة ضعف أمام الأقوياء. سيتعين عليهم ضمان استقلال القضاة والمدعين العامين، ومحاربة الفساد وتضارب المصالح واستغلال النفوذ بلا رحمة، وسيكون عليهم الدفاع عن حرية الصحافة. يجب عليهم الفصل بشكل واضح بين ممارسة المسؤولية السياسية أو الحكومية وممارسة الأعمال، والمشاركة بنشاط كبير في إضفاء الطابع الأخلاقي على الحياة العامة. وعلى حساب هذه المتطلبات المتعددة، فإن السلطة التنفيذية والبرلمانيين وقادة الهيئات الدستورية والإدارة العليا والطبقة السياسية ككل سيكونون قادرين على استعادة ثقة المغاربة وسيكونون قادرين على المساهمة في أن يرجعوا للمواطنة كامل بريقها.