نشرت المجلة العلمية المرموقة نيشْر Nature مقالا، تؤكد فيه أن أهم تيار بحري في شمال المحيط الأطلسي، الذي يعتبر المسؤول الرئيسي عن المناخ في أوروبا وشمال إفريقيا يضعف ويتباطأ شيئًا فشيئًا. فما هي أسباب تباطؤه؟ وما هي العواقب على مناخ المنطقة؟ هذا التيار الذي نشير إليه يُطلق عليه اسم "دورة العودة الجنوبية الأطلسية" (AMOC)، وهو أحد أهم أنظمة دورة التيارات المحيطية على كوكب الأرض. ويتميز بنقل الكتل السطحية من المياه الدافئة والمالحة من المناطق المدارية إلى الشمال وتدفق المياه الأبرد والأعمق من القطبين إلى الجنوب. غالبًا ما يوصف بأنه بمثابة حزام ناقل، حيث ينقل الحرارة إلى شمال المحيط الأطلسي، مما يساعد في الحفاظ على توازن الطاقة وتنظيم درجات الحرارة في النصف الشمالي للكرة الأرضية. خلال القرن الماضي، لاحظ العلماء أنه كلما ارتفع معدل الاحتباس الحراري، كلما ازدادت وثيرة تباطؤ هذا التيار AMOC، وعلى الرغم من إثارة العلماء للانتباه سابقا وإلحاحهم على ذلك، لكنهم اليوم يرفعون اليوم أصواتهم للمرة الأولى بهذه الحدة، لأنهم لأول مرة يرون منذ ألف عام التيار بهذه السرعة جِد ضعيفة. ويشير هذا الانخفاض الحاد في السرعة إلى انهيار تام في المستقبل، مما سوف يتسبب في عواقب وخيمة على المناخ وعلى الحياة عامة على الأرض. ما الذي يسبب تباطؤه؟ تشير أحدث الدراسات إلى تغييرات المناخ باعتبارها العامل الرئيسي المسؤول عن إضعاف التيار AMOC، إذ يعد ذوبان الجليد القطبي، نتيجة للزيادة في درجات الحرارة العالمية من أوضح الأدلة العلمية. وتؤدي الزيادة في ذوبان الجليد إلى تغيير ملوحة شمال المحيط الأطلسي، الشيء الذي يؤدي إلى إتلاف الحزام الناقل المحيطي، لأن المياه الأقل ملوحة تكون أخف وزنا وأقل قابلية، لكي تغرق في عمق البحار، وبالتالي تعرقل حركة المياه الباردة تجاه الجنوب وتبطئ النظام بأكمله. ماذا ستكون عواقبه؟ سيؤدي انهيار هذا النظام التياري إلى تغييرات مفاجئة وهامة في أنماط الطقس العالمية، بما في ذلك الارتفاع السريع في مستوى سطح البحر إلى مستوى يبلغ 50 سم، وستكون فصول شتاء أكثر بردا وقسوة، إضافة إلى اضطراب في أنظمة الرياح الموسمية في المناطق المدارية. فيما يتعلق بدرجات الحرارة، فإن نصف الكرة الأرضية الشمالي سيعاني من انخفاض عام في متوسط درجة الحرارة في أوروبا وشمال إفريقيا، وهذا بعدة درجات، ونتيجة لذلك سيقع تقلص حاد في الغطاء النباتي مع انخفاض إنتاجية المحاصيل الزراعية العالمية. وانتبهوا إلى ما يحذر منه العلماء: إن من بين التغييرات الوخيمة الأخرى، التي من شأنها أن يسببها ضعف هذا التيار، هو ما يمكن أن يحدث خلال فصل الشتاء، فقد تداهمنا عواصف واضطرابات جوية أكثر قوة وشدة، الى درجة الحديث عن ارتفاع في عدد الخسائر في النفوس والأموال. هل لدينا الوقت لعكس هذه العملية؟ إن زيادة تركيز الغازات الدفيئة (GHGs) التي تتميز بقدرتها على امتصاص الأشعة تحت الحمراء في الغلاف الجوي، تزيد من احتمالية انهيار التيار AMOC في المستقبل، وبينما لا يوجد تاريخ محدد لهذا الانهيار، يحذر الباحثون من أننا قد نكون قريبين جدًا من ذلك. لهذا السبب يوضح العلماء ضرورة اتخاذ إجراءات، لأن عواقب الانهيار ستكون لها تداعيات عالمية. إن الحل قد يتجلى في التخفيف من إنبعاث الغازات الدفينة إلى أقل قدر ممكن، على أن يتم ذلك في أسرع وقت، وأن يتم ذلك سواء بشكل فردي أو جماعي وطني ودولي.